تقارير وملفات

تعددت السيناريوهات لملء الفراغ الذي سيحصل بعد انسحاب القوات الأميركية من مناطق البادية السورية وشرق الفرات قريباً، وتضاربت مصالح الدول الفاعلة في الملف السوري إقليمياً ودولياً ما جعل التوصل إلى حل لمعضلة “المنطقة الآمنة” في المنطقة يزداد غموضاً وتعقيداً مع مرور الوقت وعدم توصل الفرقاء إلى حلول وسط.

وتتسابق للسيطرة على المنطقة روسيا ونظام الأسد وإيران من جهة، والولايات المتحدة وشركاء أوروبيون و”الوحدات الكردية” من جهة أخرى، بينما تدخل تركيا الصراع وحدها ولكن بعزيمة وإصرار تجعل أي سيناريو مستحيلاً من دون موافقتها أو الشراكة معها.. كما تسجل بعض الدول العربية (الإمارات والسعودية ومصر) حضوراً رمزياً في الملف كيداً لتركيا فقط، كما يحضر العرب السوريون (من عشائر المنطقة) حضوراً خجولاً بعدما قبلوا أن يكونوا شريكاً غير أساسي في حلف “قسد” الذي حكم المنطقة على مدى خمس سنوات.

ومع الحديث عن قرب إقامة منطقة “آمنة” تركية على طول الحدود شرقي الفرات، بطول 500كم وعمق 30كم، ظهرت توجهات روسية وإيرانية مناوئة للمشروع، ناهيك عن الاعتراض الأميركي، واعتراض نظام الأسد و”الوحدات الكردية” بشكل رئيسي.

ويبدو أن إيران انتظرت حتى تتراكم مشاكل السيناريو التركي، لتبدأ بمد يدها في المنطقة، ليس سياسياً بل عسكرياً بشكل مباشر كعادتها، حيث أفادت تقارير صحفية محلية، أمس الأربعاء، بأن وفداً إيرانياً زار مدينة الميادين بريف دير الزور، وحث الشباب في المدينة وريفها على العودة إلى مناطقهم، والالتحاق بصفوف القوات الإيرانية والميليشيات الموالية، ووعد بأن يؤدي انتساب الشباب المطلوبين أمنياً للميليشيات إلى رفع أسمائهم من الملاحقة الأمنية.

جاء ذلك خلال اجتماع موسع جرى في “حي التمر” الذي تسيطر عليه قوات إيرانية، بحضور وجهاء المدينة وريفها، ومخاتير “بقرص وسعلو ومحكان والزباري والقورية” التي تتبع إدارياً لمدينة الميادين، وشخصيات من العوائل المعروفة بالمدينة.

وأوضحت التقارير أن الوفد الإيراني دعا شباب المدينة إلى الانضمام للقوات الإيرانية، كما قام الوفد بعد ذلك بزيارة منطقة “عين علي” التي حولتها القوات الإيرانية مزاراً.

وأشارت التقارير الواردة إلى أنه تم رصد قدوم حافلات تقل كثيراً من “الزوار” الإيرانيين والعراقيين، الذين أقاموا شعائر مذهبية في المنطقة التي تشهد وجوداً عسكرياً كبيراً للقوات الإيرانية.

ويأتي هذا التطور تزامناً مع إطلاق طهران رسمياً مشروع طريق دولي يربطها بدمشق عبر العراق، وكذلك تزامنت الزيارة مع زيارة وزير خارجية النظام وليد المعلم إلى طهران، حيث أكد هناك حرص نظامه على بقاء الميليشيات الإيرانية مدافعاً عن شرعية احتلالها لسوريا.

كما أن إيران دعمت مشروع توسعها المزمع شرقي الفرات بتصريح سياسي لوزير خارجيتها جواد ظريف الذي قال أمس الأربعاء إن طهران مستعدة للتوسط بين نظام الأسد وتركيا لإعادة العلاقات بالحد الأدنى، إلا أن اللافت في تصريحاته هو قوله لدى سؤاله عن رأي إيران بإنشاء تركيا “منطقة آمنة” شرقي الفرات: “لا يمكن استبدال احتلال باحتلال آخر”!، ما يعني بكل وضوح أن طهران ستنظر لتركيا شريكتها في مسار أستانة على أنها قوة محتلة إن أقدمت على ملء الفراغ شرقي الفرات.

وفي خطٍ موازٍ؛ واصل رئيس تيار “الغد السوري” أحمد الجربا جولاته المكوكية في أكثر من عاصمة إقليمية ودولية، بهدف تحشيد الدعم لخطته الجديدة، التي تبحث في تشكيل قوة عربية- كردية في شرق الفرات، تتولى إدارة المنطقة الآمنة التي تعتزم الولايات المتحدة وتركيا إقامتها شمال شرق سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية من هذه المناطق، فبعد الزيارات المتكررة التي قام بها الجربا إلى كل من أنقرة وواشنطن وأربيل العراق، كشفت مصادر من داخل “تيار الغد” عن زيارة مرتقبة سيقوم بها الجربا إلى موسكو، وذلك لإقناع الطرف الروسي بالخطة التي تبحث في ملء الفراغ وتشكيل منطقة عازلة بين تركيا و”الوحدات الكردية”.

إلا أن مراقبين ومحللين رجحوا فشل خطة “الجربا” نظراً لفقدان الثقة بها من طرف الجانب التركي الذي ينظر إليها على أنها خطة أميركية يسوّقها الجربا، كما أن روسيا ونظام الأسد و”الوحدات الكردية” يعترضون عليها.

ويُتوقع أن يزداد الملف سخونة بعد تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيعلن القضاء على “داعش” في المنطقة بعد أسبوع، ما من شأنه أن يسرّع وتيرة سحب القوات الأميركية المرابطة في المنطقة، ويستدعي بالضرورة ملء الفراغ الناشئ عن ذلك الانسحاب، فمن سيملأ الفراغ وكيف في ظل تراكم هذا الكم من الحلفاء والأعداء والتناقضات؟.

لا تزال مدينة كفرزيتا شمالي محافظة حماة تتعرض يومياً للقصف من قبل قوات نظام الأسد المتواجدة في القرى الموالية والثكنات العسكرية، حيث أدى هذا القصف إلى تحول المدينة إلى مدينة منكوبة وأصبح العيش فيها صعباً للغاية مع انعدام الكثير من الخدمات الضرورية التي يحتاجها السكان.

وقال ’’أحمد العبود‘‘ مدير المكتب الخدمي في المدينة في حديثه لحرية برس، ’’تعاني المدينة من مشكلة سوء الواقع الخدمي بشكل كبير وخاصةً أن القصف لا يتوقف عن المدينة مما يزيد الوضع سوءاً ويصبح من الصعب إصلاح ما يتم تدميره، لا سيما أنه بعد عودة قسم من عائلات المدينة إليها أصبح لا بد من توفير بعض الخدمات الضرورية لهم وخصوصاً الماء والكهرباء والصرف الصحي‘‘.

وأشار العبود إلى أنه ’’تعاني وحدة المياه من تعطل عدد من الآبار والمضخات عن ضخ المياه وتدمير قسم من الشبكة، كما أنها بحاجة إلى صيانة كاملة، لكن التكاليف الكبيرة وانعدام الدعم من المنظمات فرض علينا إصلاح القطع الضرورية من خلال تبرعات بسيطة من بعض الأهالي، فضلاً عن أن العاملين في هذا المجال يقومون بعملهم بشكل تطوعي‘‘.

وذكر المسؤول الخدمي قائلاً: ’’فيما يخص شبكة الصرف الصحي فقد تضررت بنسبة 40 % وهي بحاجة إلى صيانة بشكل فوري بسبب عودة الأهالي إلى المدينة ولمنع انتشار الأوساخ والروائح الكريهة التي تجلب الحشرات والأمراض، لذلك فإننا بحاجة إلى حاويات وآليات لنقل الأوساخ خارج المدينة‘‘، لافتاً إلى أن عمال النظافة لا يتلقون أجوراً على ذلك.

وفيما يخص وحدة الكهرباء، أوضح العبود ’’أنها تعاني من نقص في المحولات وتضرر كبير في الشبكة يصل إلى 70% وعدم وجود مولدات كهربائية لإنارة المنازل وروافع لإصلاح الشبكة‘‘.

وحول الطرق في المدينة، لفت المسؤول الخدمي إلى أنها ’’أصبحت عبارة عن عدد كبير من الحفر بسبب سقوط القذائف و الصواريخ عليها من قبل قوات الأسد، وهي بحاجة إلى صيانة فضلاً عن وجود الأنقاض في معظم الطرقات وهي بحاجة إلى ترحيل لفتح الطرقات من جديد‘‘.

واختتم مدير المكتب الخدمي حديثه قائلاً: ’’إن جميع هذه الأعمال نحاول القيام بها بالرغم من عدم وجود أي دعم مادي للمدينة، ونحن لا نستطيع تلبية كافة الخدمات، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه من قصف مستمر وانعدام أي دعم فلن نستطيع القيام بأبسط هذه الأعمال، مما سيجبر السكان على مغادرة المدينة والوقوع تحت رحمة المخيمات‘‘.

أثر الاقتتال الفصائلي الذي وقع في الآونة الأخيرة على العديد من القطاعات في الشمال السوري، كقطاع الصحة والتعليم والخدمات والمؤسسات المدنية وبعض المدارس والجامعات ومراكز الشرطة الحرة وغيرها، حيث تم تعليق عمل غالبيتها بعد توقف دعم المنظمات الدولية عنها.

ومن أكبر القطاعات التي تأثرت بالاقتتال هو القطاع الصحي الذي يعد أكثرها تأثيراً على حياة السكان في المناطق المحررة بريف إدلب وحماة وحلب واللاذقية، مادفع كوادرها للعمل التطوعي لزاماً بعد أن كان العمل التطوعي مقتصراً على بعض الفرق التي تقوم بأنشطة بسيطة، والتي جعلت من عملها خياراً يبذله الشخص بكامل إرادته واختياره دون أي إجبار على القيام بالعمل ودون أي مقابل مادي.

وتحدثت “إيمان الشيخ علي” لحرية برس أن العمل التطوعي عمل إنساني قبل أي شيئ وهو الأمر الذي يدفعها لممارسة عملها بإحدى المشافي كمتطوعة في قسم الإسعاف منذ قرابة الستة أشهر آملة بعودة الدعم للمتطوعين أمثالها كونها بأمس الحاجة للدعم المادي رغم أنها زوجة شهيد وأم لثلاثة أطفال.

ومن جهته قال “وائل المواس”، قائد فريق نبض وحياة التطوعي: إن “تضافر الجهود بين العاملين في هذه القطاعات سيساهم في تطوير المجتمع التطوعي ويعزز ثقة الشباب السوري بنفسه وبإرادته، وذلك كون العمل التطوعي ممارسة إنسانية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير عند البشر منذ الأزل”.

ويرى “محمد الخالد” أحد العمال الإنسانيين في مجال الدعم النفسي في العمل التطوعي أنه من أرقى الأعمال التي يمارسها الإنسان خلال سنين حياته، إذ يوفر جهده ووقته لخدمة مجتمعه ويقدم ضمن فريقه التطوعي المنتسب له العديد من الخدمات التي تساهم في تطور المجتمع والفرد على الرغم من سوء وضعه المادي، وذلك كونه منشق عن نظام الأسد منذ بداية الثورة و معيل لزوجة وأربعة أطفال.

وأوضحت “أسماء الرماح” متطوعة بإحدى مشافي ريف إدلب الجنوبي لحرية برس أن الانخراط في العمل التطوعي وخدمة المجتمع يعزز القيم الايجابية لدى الشخص ويقوي العلاقات الاجتماعية ويجعل الشخص يشعر بالرضا عن نفسه عند تقديمه لعمله، على الرغم من أنها زوجة معتقل وأم لخمسة أولاد أكبرهم في الثالثة عشر من عمره يتعلم صنعة الحدادة عند أحد صناع المهن في القرية، أما الطفل الأصغر والبالغ من العمر ست سنوات يعاني من فقدان احدى عينيه إثر عبثه ببطارية شحن كهربائية كانت قد انفجرت بوجهه لتفقده عينه اليسرى ويسبب له حروقاً بالوجه واليدين و لازال يعاني مشكلات نفسية تنعكس سلبا على حياته اليومية.

ولازالت “أسماء” تقوم بعملها على أكمل وجه دون تردد أو تلكؤ، الأمر الذي دفع زملائها في المشفى إلى جمع مبلغ من المال شهرياً يقدم لها كمكافأة وتحفيز لمتابعة عملها ريثما يتم تقديم دعم لها من قبل المنظمات الإنسانية واعتمادها كموظفة أساسية في المشفى.

الجدير بالذكر، أن مفهوم التطوع هو أحد المفاهيم التي انتشرت في المجتمع بشكل ملحوظ في أيامنا الحالية ولاقت اقبالاً من فئة الشباب الذين يرغبون باصلاح مجتمعاتهم، كما أن مجالات العمل التطوعي عديدة منها ماهو علمي ومنها ما هو حرفي أو فكري أو دعوي وكل شخص يتطوع في المجال الذي يرغب به ويفيد من حوله، ولايخلو الأمر من بعض المعوقات التي تعترض العمل التطوعي.

مرحلة سياسية جديدة تلقي بظلالها على “ملف اللاجئين السوريين” في لبنان، خاصة بعد أن أُعلِنَ عن تشكيل حكومة جديدة، الخميس الماضي، برئاسة “سعد الحريري”، ضمت ثلاثين وزيراً احتفظ عدد منهم بحقائبهم الوزارية، في حين دخل وزراء جدد إليها.

وتضم الحكومة الجديدة أحد عشر وزيراً يمثلون تيار الرئيس “عون” السياسي، ما يمنحه عملياً القدرة على تعطيل إصدار أي قرار لا يحظى بموافقة وزرائه، في حين يمثل ثلاثة وزراء حليفه “حزب الله”.

واحتفظ “جبران باسيل” المعروف بمواقفه غير المرحبة بوجود اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية، بحقيبة وزارة الخارجية، فيما أوكلت حقيبة وزارة الدولة لشؤون النازحين إلى “صالح الغريب” المحسوب على ميليشيا “حزب الله”.

وكان بقاء الوزير “باسيل” واستلام الوزير “الغريب” ملف شؤون النازحين بدلاً من الوزير “معين المرعبي”، المعروف بمواقفه الرافضة لعودة اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، من أبرز الأمور التي تقلق اللاجئين السوريين حيث أنهم مقبلون على مرحلة مستمرة من الضغوط، وخاصة الصحية منها في ظل سيطرة “حزب الله” على قطاع الصحة، بحسب مراقبين.

وفي ظل حالة الترقب الحذر التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان عقب تشكيل تلك الحكومة، تطفو على السطح مجموعة من الأسئلة فيما يخص انعكاس تلك التطورات على ملف اللاجئين السوريين، فهل نحن أمام حالة من تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين للتيار العوني، وإلى أي حد ستمارس الضغوطات على هؤلاء اللاجئين لإجبارهم على العودة إلى سوريا؟

ملف اللاجئين السوريين ملف “أمني”

وفي ردّ منها على تلك التساؤلات، قالت “أمل الشيخو”، رئيسة دائرة شؤون اللاجئين في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، في تصريحات خاصة : “إن ملف اللاجئين السوريين في لبنان يصنف، من وجهة نظر حكومية، ملفاً أمنياً بالدرجة الأولى، لا إنسانياً، ويتبع في ثناياه لوزارة الداخلية، حيث تعتبر البلديات تابعة لوزارة الداخلية، وبالتالي تتبع الإقامات وتسوية الأوضاع القانونية للاجئين للوزارة نفسها.

وتابعت بالقول: “وحيث أن وزيرة الداخلية ’ريا الحسن’ قريبة من تيار المستقبل المتعاطف مع قضية اللاجئين السوريين، ستكون على رأس الوزارة المعنية بهذا الجانب الأمني، فإنه من المستبعد إحداث تغيير كبير ومؤثر على حياة اللاجئين السوريين في لبنان”.

وأضافت، أنه من جهة أخرى فإن الجانب الإنساني الخاص بالخدمات الإغاثية والمناط بوزارة شؤون النازحين، تأثر أساساً بمقدار الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين السوريين في لبنان، وحيث أن الوزارة المعنية ماهي إلا وزارة منظمة لتلك المساعدات والمنح بالدرجة الأولى، فهذا يقلص من دورها كثيراً في التأثير على حياة اللاجئين السوريين.

وحول الشكوك المتداولة فيما يخص تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين السوريين لصالح التيار العوني، أوضحت “الشيخو” أن ذلك ليس مرجحاً، حيث أن وزارة الداخلية المعنية أساساً بالجانب الأكثر تأثيراً في حياة اللاجئين السوريين قد سُلِّمت إلى شخص مقرب من رئيس الحكومة الجديد سعد الحريري، وأن ملف اللاجئين في لبنان ملف أمني إنساني مشترك، أما قضية عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا فهي مطلب سياسي في منتهاه يخص النظام السوري بالدرجة الأولى ومن ثم حلفاءه، وكون العودة مرتبطة بترتيبات أمنية أولاً، فستكون ذات صلة مباشرة بوزارة الداخلية المحسوبة على تيار المستقبل، لافتةً إلى أن معظم أسهم هذا الملف، ما زالت في حوزة تيار المستقبل.

استثناء اللاجئين السوريين من الموازنة لن يشكل فارقاً كبيراً

ومن الأمور التي تزيد من حالة القلق بين اللاجئين السوريين، استثناؤهم من موازنة عام 2019، بحسب ما أعلنه رئيس الحكومة “سعد الحريري”، الذي نقلت عنه “الوكالة الوطنية للإعلام” قوله: “إن الحكومة اللبنانية المشكّلة حديثاً ستكون مرغمة على اتخاذ قرارات صعبة من أجل تخفيض الموازنة، وإنه لا تمويل يتعلق بملف النزوح السوري”، داعياً الجهات الخارجية المانحة إلى الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين في لبنان.

وفي هذا الصدد قالت “الشيخو”: إن حكومة لبنان تعد حكومة تقشف، وتسعى إلى سد احتياجات مواطنيها قبل احتياجات اللاجئين إلى أرضها، ورغم وجود ميزانية سابقة تخص اللاجئين كانت قد أدرجت في الموازنات السابقة، فإن حجم تلك المخصصات ضئيل للغاية أمام المساعدات الممنوحة من الأمم المتحدة والدول المانحة الأخرى، سواء عبر مؤتمر بروكسل أو الحملات الدولية المنفردة مثل حملة قطر الأخيرة، لذا فإننا لا نعتقد أن فارقاً كبيراً سيحدث أو سيكون له أثر ملموس على حياة اللاجئين السوريين في اللبنان.

وتابعت، أنه من الممكن أن نقرأ في هذا الاستثناء من الموازنة رسالة سياسية تخص الشأن اللبناني الداخلي، حيث تسعى الأطراف إلى امتصاص حالات الغضب الشعبي الناتج عن الضائقة الاقتصادية الهائلة في لبنان، حيث يقوم عديد من الأطراف بتوظيف ورقة اللاجئين في معاركهم الانتخابية.

لا فائدة من محاولات الروس إعادة اللاجئين السوريين

وفي سياق تلك التطورات، تواصل روسيا مساعيها للضغط من أجل إعادة اللاجئين السوريين المتواجدين في دول اللجوء إلى سوريا، وخاصة في لبنان، مستغلة تماهي موقف وزير الخارجية “باسيل” المؤيد لتلك المساعي.

وحول ذلك قالت “الشيخو”: إنه مما لا شك فيه أن روسيا بوصفها طرفاً دولياً داعماً لنظام الأسد، مدفوعة برؤية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ستنحو دائماً إلى توظيف قضية اللاجئين في إطار حل سياسي يخدم رؤيتها، وخصوصاً أن عودة اللاجئين ترتبط ارتباطاً عضوياً بملف إعادة الإعمار الذي سيكون الركيزة الأساسية الداعمة لنظام الأسد، فيما لو تجاوبت الدول الغنية وتداعت إلى إعادة الإعمار في سوريا من دون حل سياسي متوافق مع مقررات جنيف.

وترى “الشيخو” أن الموقف الروسي سبق له أن تعرض إلى حالة من الرفض الدولي، حيث كانت بيانات الدول المستقبلة للاجئين السوريين ترفض الرؤية الروسية بشأن عودة اللاجئين قبل الحل السياسي، على حد تعبيرها.

واستبعدت “الشيخو” أن تكون الفرصة مواتية في المدى المنظور للروس لإعادة المحاولة ثانية، وخصوصاً بعد قوائم العقوبات الأوربية والأمريكية الجديدة بحق عديد من رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالنظام، بما معناه أن لا حظوظ لإعادة الإعمار في سوريا في ظل الوضع القائم، وكما روج لها إعلام النظام، وبالتالي لا فائدة من الحديث عن عودة اللاجئين.

قرار عودة اللاجئين مرتبط بمجلس الوزراء 

من جانبه، يرى الناشط الحقوقي ومدير مؤسسة “لايف”، المحامي “نبيل الحلبي”، أن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون له تأثير قوي على اللاجئين السوريين من ناحية تزايد الضغوطات عليهم، إلا أنه قلل في الوقت نفسه من انعكاس استلام وزير محسوب على ميليشيا حزب الله لملف شؤون النازحين، وقال: “ليس هناك تأثير على تعيين وزير من قوى 8 آذار القريبة من النظام السوري أو حزب الله بدلاً من الوزير ’معين مرعبي’، لأن وزارة الدولة لشؤون النازحين ليس لديها صلاحيات بشأن إعادة اللاجئين إلى سوريا، وهذا القرار الكبير يتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً ويرسم سياسته رئيس الحكومة وفقاً للدستور، وبالتالي ليس هناك أي تغيير جوهري في هذا الملف بعيداً عن الضغوط لا أكثر ولا أقل على مستوى التصريحات السياسية، فعلى سبيل المثال كنا نتابع تصريحات وزير الخارجية “باسيل” الداعية إلى إعادة اللاجئين السوريين، إلا أنه كان يقابل بتصريحات مضادة مخالف للرأي من وزير الدولة لشؤون النازحين ’معين المرعبي’”.

وتابع بالقول : “من الممكن أن نلمس الآن تصريحين متقابلين، ولكن القرار مناط بمجلس الوزراء مجتمعاً، ويرسم رئيس الحكومة هذا القرار وسياسة الدولة في هذا الشأن، وموقف رئيس الحكومة واضح، وهو مع التمسك بحق عودة اللاجئين إلى سوريا حين تكون عودة آمنة وكريمة تحت مظلة الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وبالتالي ليس هناك أي تغيير في هذا الملف”.

وفي سياق حديثه، استبعد “الحلبي” ما يُتَداول بخصوص تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين للتيار العوني وقال: “ليس هناك وزارة مخصصة لتيار أو لحزب حتى يتخلى عنها، بل هناك توزيع حقائب بين القوى السياسية اللبنانية، وكانت تلك الحقيبة في الحكومة السابقة من حصة تيار المستقبل واليوم هي من حصة التيار العوني وبالتالي ليس هناك تنازل”.

مخاوف من صعوبات ستواجه اللاجئين السوريين على الصعيد الطبي

وعن رأيه في استثناء اللاجئين السوريين من موازنة 2019 قال “الحلبي”: “إن استثناء اللاجئين السوريين من موازنة لبنان 2019 أمر متوقع كون الوضع المادي في لبنان كارثي، وبالتالي لا تستطيع ميزانية الدولة بمداخيلها المحلية تغطية احتياجات اللاجئين السوريين، وطبعاً سيكون هناك تأثير كبير لأن التغطية تشمل وزارة الصحة، وهذه الوزارة من نصيب حزب الله، وبالتالي سيحرم اللاجئ السوري من التغطية الصحية”.

ولكن “الحلبي” أعرب عن اعتقاده أن هذا الأمر كفيل بالحصول على منح دولية تغطي هذه النفقات الضرورية للاجئين السوريين، لأن المجتمع الدولي حريص على إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان وعدم ذهابهم إلى الدول الأوروبية، وبالتالي ستقوم دول الاتحاد الأوروبي بسد هذه الاحتياجات عبر منح مقدمة إلى الحكومة اللبنانية أو مباشرة عبر منظمات للاجئين السوريين.

مناطق آمنة برؤية روسية

وفيما يتعلق بالمساعي الروسية والضغوطات التي تمارسها لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، بيّن “الحلبي” أن روسيا تعهدت منذ تدخلها العسكري في سوريا أمام دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، ولكن حتى اليوم لم تفِ روسيا بهذا الوعد لأن تعهدها كان يتضمن إنشاء منطقة آمنة في سوريا تكون محمية للاجئين السوريين في الخارج وللنازحين السوريين في الداخل.

وأضاف، أن هذا الأمر لم يتحقق حتى الساعة، حيث أنه من حيث الأمر الواقع بعيد المنال، كما أن هناك تعقيدات ميدانية في الملف السوري تحول دون إعادة اللاجئين السوريين وفقاً للخطة الروسية المستجدة، لأن روسيا تريد إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق النظام، وكأنها خرجت عن تعهدها الأول بإنشاء مناطق آمنة في سوريا، فهي تريد إعادة جميع المناطق التي سيطرت عليها المعارضة إلى كنف النظام، وبالتالي هذه المناطق لا يمكن أن نسميها مناطق آمنة، لأن جلّ اللاجئين السورين ينحدرون من مناطق معارضة في سوريا وهم معارضون لنظام الأسد، وبالتالي فإن مناطق النظام ليست آمنة بالنسبة إليهم، وهكذا فإن الخطة الروسية ليست واضحة، فضلاً عن أنها تتعارض مع قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي للاجئين.

ملف اللاجئين السوريين ملف سياسي

وتعليقًا منه على انعكاسات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة على ملف اللاجئين السوريين في لبنان، يرى الدكتور المحامي “طارق شندب”، أن موضوع النازحين السوريين في لبنان هو موضوع سياسي أكثر مما هو اجتماعي، وقال: “سمعنا في الأيام الماضية بعد تشكيل الحكومة كلاماً سياسياً عن ضرورة عودة اللاجئين أو إجبارهم على العودة تحت ضغط روسي معين، وهذا الكلام غير مقبول في الساحة السياسية اللبنانية وخصوصاً عند (السّنة) الذين يعارضون نظام بشار الأسد”.

وأعرب” شندب”، في حديثه ، عن اعتقاده أن هذا الأمر سيلاقي اعتراضاً كبيراً في الحكومة وعلى مستوى الشارع السياسي، وتابع بالقول: “لا أعتقد أن أحداً من الممكن أن يتحمل مسؤولية هذا القرار، وبالتالي نحن نعرف أن هناك ضغوطات تمارس على اللاجئين السوريين بطرق متعددة قضائية وأمنية وسياسية وأممية، ولكن لا يمكن في ظل الانقسام السياسي في لبنان، حتى لو كنا ضمن تشكيلة حكومة واحدة، أن نرى إجباراً للاجئين على العودة.

وأضاف “شندب” أن “عودة اللاجئين بهذه الطريقة مخالفة للقانون الدولي والاتفاقات الدولية، ولا أعتقد أن الحكومة اللبنانية ستسير في الموضوع إلى النهاية، وأعتقد أن العملية مجرد جس نبض لا أكثر، وأن تيار المستقبل والسّنة ووليد جنبلاط لن يقبلوا بذلك، وكثير من اللبنانيين لن يقبلوا أن يفرَض على لبنان عقوبات أمريكية، خاصة بعد قانون ’قيصر’ الأخير الذي يفرض عقوبات على كل من يتعامل مع نظام الأسد، ولا سيما المسؤولين اللبنانيين الذين يروجون لنظام بشار الأسد الإرهابي”.

وأكد “شندب” في سياق حديثه، أن هؤلاء اللاجئين السوريين جاؤوا إلى لبنان بفعل إرهاب ميليشيا حزب الله الإرهابي، مبيناً أنها ميلشيا لبنانية ذهبت إليهم وقتلتهم وعذبتهم وأخرجتهم من بلادهم على مرأى ومسمع من الحكومة اللبنانية، وبالتالي فإن الحكومة اللبنانية مسؤولة أخلاقياً واجتماعياً عن هؤلاء اللاجئين، وعليها أن تعوضهم لا أن تهينهم.