تقارير وملفات

تتوالى الأزمات الاقتصادية في مناطق النظام السوري، فبعد أزمة المازوت والغاز ومشاكل انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة، برزت خلال الأيام الماضية أزمة خانقة في حليب الأطفال، بعد فقدانه في أغلب مناطق النظام، ما أثار استياء الموالين، وزاد التساؤلات عن سبب عجز الأسد عن تأمين حليب الأطفال، واحتمال وجود أصابع روسية في تلك الأزمات الاقتصادية.

وذكرت صفحات موالية للأسد أن المحلات التجارية والصيدليات في مناطق النظام، شهدت انقطاع حليب (البودرة) للأطفال من عمر يوم إلى سنة، بشكل شبه كامل.

وفي المقابل، زعم نقيب الصيادلة في حكومة النظام، “محمود الحسن”، أن ذلك الأمر عار عن الصحة، وأن المشكلة تقتصر على بعض الأنواع فحسب، ويوجد لها بدائل محلية، مشيراً الى أن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، أدت الى تأخير عملية وصول شحنة حليب الأطفال المستوردة من طهران.

عجز على عجز

وحول سبب أزمة حليب الأطفال، قال الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، لحرية برس: إن “كثيراً من الشركات عزفت عن التعامل مع النظام، ولا سيما الشركات التي كانت تمده بالسلع ومن ضمنها حليب الأطفال، خوفاً من أن تطالها العقوبات، وهذا جعل الأسد يزداد عجزاً على عجز، فهو عاجز أصلأ من الناحية المالية بسبب قلة الاحتياط لديه”.

وأضاف الكريم، أن “العجز الثاني الذي يعاني منه النظام،
الذي كان سبباً إضافياً في خلق أزمة حليب الأطفال،
يعود الى أن المصارف ترفض إجراء تحويلات مالية إلى النظام،
فضلاً عن عدم منحه أي تسهيلات ائتمانية، كما أن
الشركات المورّدة باتت تطلب سعراً مضاعفاً لقبول التعامل
مع الأسد، وهو ما أضاف عجزاً إلى عجزه المالي”.

ولفت الكريم إلى أن “هناك سبباً هاماً أيضاً له دور في خلق أزمات الأسد الاقتصادية، بما فيها أزمة حليب الأطفال، حيث لم تكن هناك أزمات جوهرية تواجه الأسد عندما كانت هناك معارضة في دمشق وريفها”.

وبرر الكريم ذلك بأن “كل الدعم المالي الذي كان يتجه سابقاً إلى مناطق المعارضة كان ينتهي عند النظام، حتى السلع التي كانت تصل إلى المعارضة كان لابد أن تمر على حواجز الأسد التي كانت تأخذ حاجتها وتبيع الباقي، رغم أنها مساعدات مجانية مخصصة لسكان المعارضة ومنها حليب الاطفال، لكن سيطرة النظام على معظم المناطق السورية، خاصةً الغوطة ودرعا، جعله يخسر كثيراً من موارده التي كانت تغطي حاجاته مجاناً، وهذا الأمر بات يخلق أزمات يومية للنظام”.

بدوره قال عضو المنتدى الاقتصادي السوري، “ملهم جزماتي”، لحرية برس: إن “انقطاع مادة الحليب أمر مفتعل، فكما هو معلوم أن هذه المادة تصدّر إلى الأسواق السورية المحلية قادمةً من إيران بشكل أساسي، وادّعى النظام أن العقوبات الأميركية على طهران هي السبب الرئيس لتأخر وصول شحنات الحليب إلى سوريا، في حين أن خطوط الإمدادات العسكرية من إيران لم تتوقف أو حتى تتأثر بهذه العقوبات”.

وأضاف جزماتي أنه “من مصلحة الأسد انقطاع حليب الأطفال من الأسواق السورية، ليشغل المواطنين السوريين، ويمنعهم من التفكير في شؤون وطنهم وواقعهم السيء الذي يعيشونه”.

بدوره قال المحلل الاقتصادي “منير الفقير”، “إن “النظام يعاني من أزمات اقتصادية كثيرة، ويحاول الترويج إلى أن العقوبات تؤثر على الشعب بالدرجة الأولى، خاصةً الأطفال، كي يغطي على فشله في تأمين المواد الأساسية، وفشله بشكل عام اقتصادياً، واعادة الأمن والإصلاح الاجتماعي بعد سيطرته على معظم المناطق السورية، بمعنى أن أزمة حليب الأطفال تؤكد فشل الأسد في إدارة كثير من الأمور بعد نهاية الحرب، وتفضح عجزه الاقتصادي”.

ابتزاز ايراني

تخفي أزمة حليب الأطفال وراءها خلافات بين الأسد وايران،
وقال ملهم جزماتي: إن “طهران تسعى إلى قطع توريد حليب
الأطفال إلى نظام الأسد، أو على الأقل تأخير وصول الشحنات، وذلك كي تذكره بأنه لولاها لما استطاع الوقوف أمام مؤيديه قبل معارضيه”.

في حين قال يونس الكريم إن “سوريا كانت تستورد 3911 طناً شهرياً من حليب الأطفال المعلّب، أي ما قيمته 35 مليون دولار، بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء لعام 2009، وكان يأتي من مصادر مختلفة أوروبية وآسيوية، وحتى من دول أميركا الجنوبية، أما الآن فبات النظام يعاني من عجز مالي كبير، بحيث أن احتياطي النقد لديه، حسب صندوق النقد الدولي، لا يتجاوز 700 مليون دولار، وهو لا يكفي لتغطية نفقات الاستيراد أكثر من ثلاثة أشهر”.

ويضيف يونس الكريم أن “نظام الأسد عاجز عن تلبية احتياجات المواطنين، فالدورة المالية للنظام أصبحت طويلة بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرته، حيث يكون سعر الحليب لدى استيراده أعلى من السعر العالمي، ما يجعل سعره باهظاً عند طرحه في الأسواق، وهذا يمنع الناس من شرائه، وبالتالي على نظام الأسد أن يقوم بدعمه ليخفض سعره، ولأن الأخير لا يملك النقد الكافي، فهذا يجعله يتحاشى الاستيراد من الدول التي كان يستورد منها سابقاً”.

وأشار الكريم الى أنه “في ظل هذا الواقع يلجأ الأسد إلى الاستيراد من إيران بسبب انخفاض تكاليف الاستيراد، ووجود خط ائتماني معها، لكن طهران تلجأ إلى ابتزاز النظام السوري وتطالبه بتفعيل كثير من العقود التي وقعتها معه سابقاً، مقابل إمداده بحليب الأطفال، ما يساهم في تأخير وصول الشحنات إلى مناطق النظام”.

وزعم نقيب الصيادلة في حكومة النظام، “محمود الحسن”، قبل أيام، أن شحنة من حليب الأطفال وصلت الى الموانئ السورية وسيجري توزيعها في الأسواق السورية خلال أيام، مشيراً إلى أن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران أدت الى تأخير عملية وصول الشحنة، لكن صفحات موالية أكدت عدم وجود أي بوادر انفراج بخصوص أزمة حليب الأطفال.

وذكر الحسن أن هناك مقترحاً من نقابات الصيادلة والأطباء بضرورة بناء معمل لحليب الأطفال في سوريا، كحل جذري للمشكلة.

لكن يونس الكريم يرى أن “مقترح بناء معمل حليب للأطفال هو فكرة قديمة منذ عام 2010، وهو اقتراح غير مجدٍ اقتصادياً، لضعف القدرة الشرائية ومحدودية السوق، إضافةً الى أن العقوبات المفروضة على النظام ستمنع حصوله على شهادات تخوله بيع منتجاته من الحليب”، مشيراً الى أنه “حتى لو تمكن النظام من حل أزمة الحليب لاحقاً ستبدأ أزمات أخرى، كون الاحتياطي النقدي لديه غير قادر على تلبية احتياجات السوريين في مناطق سيطرته”.

مصلحة روسية

وفي ظل توالي الأزمات الاقتصادية على النظام السوري، تزداد التساؤلات حول موقف روسيا من ذلك، كونها الحليف الرئيس للنظام السوري، وسبب عدم تدخلها لمساعدة الأسد، وإن كانت صاحبة مصلحة في خلق تلك الأزمات.

ويرى يونس الكريم أنه “كل ما زاد العجز المالي للنظام، سيضطر إلى التوقيع على كثير من العقود التي كان يرفض التوقيع عليها سابقاً، كما أن زيادة الضغوطات على المواطن السوري، تجعل من يورّد السلع للسوريين محل ثقة بالنسبة إلى  الشعب وبالتالي يحصل على ولائه، وبذلك يفقد الأسد كثيراً من حاضنته، ما يجعله في مرحلة صعبة جداً”.

وأضاف الكريم: “كل ما يحصل من أزمات وضغط داخلي على النظام، سيدفع الأخير إلى الرضوخ إلى الشروط الروسية، لكن في الوقت نفسه، يعوّل الأسد على عودة العلاقات مع الإمارات وربما السعودية لاحقاً، وهو ما يدفعه إلى المكابرة على نفسه والصبر، حتى عودة العلاقات مع دول الخليج، بحيث يستطيع النظام السوري الحصول على قروض ائتمانية تساعده في حل مختلف أزماته الاقتصادية وتلبية احتياجات مواطنيه”.

وفي سياق متصل، قال ملهم جزماتي: إن “روسيا ترغب في تقديم الأسد تنازلات مستمرة، فهي لا تود تحقيق استقرار اجتماعي أو سياسي في سوريا، فالفوضى والحاجة هي التي سهّلت دخولها إلى سوريا، وبالتالي تريد جعل الشعب السوري يعيش دوماً بالحد الأدنى من مقومات الحياة حتى لا يستطيع المطالبة بحقوقه المشروعة”.

بينما قال المحلل الاقتصادي منير الفقير:
إن “موسكو مستفيدة من أزمات النظام الاقتصادية، فهي تسعى
إلى إبراز تلك الأزمات ومعاناة الشعب السوري أمام المجتمع الدولي،
لدفعه الى المساهمة في إعادة الاعمار، فروسيا تبحث عن استراتيجية آمنة للخروج من سوريا عبر شرعنة نظام الأسد، ولن يتحقق
ذلك إلا من خلال التمكين الاقتصادي للنظام، ولن يحدث
هذا التمكين، إلا في حال ضخ أموال إلى الأسد لمساعدته
في اعادة الاعمار التي تتيح له استعادة الشرعية”.

حلول بديلة

وخلقت أزمة حليب الأطفال مشكلة كبيرة لدى السكان في مناطق النظام، وقالت أم أيهم المقيمة في جرمانا، في ريف دمشق، لحرية برس: إن “تأمين حليب الأطفال بات أمراً شديد الصعوبة، فأغلب الصيدليات لم يعد لديها حليب للأطفال تحت عمر السنة، ويكون سعر العلبة مرتفعاً في حال توفره، فسعر حليب الأطفال (نان 1) كان 2700 ليرة سورية، أما الآن أصبح سعرها 6 آلاف ليرة”.

وأضافت أم أيهم: “طفلي بحاجة الى علبة حليب كل خمسة أيام، ما يعني أني أصبحت بحاجة الى دفع 36 ألف ليرة سورية ثمن حليب شهرياً، وهذا مبلغ باهظ للغاية، وهو ما دفعني إلى الاعتماد على الحليب البقري كباقي الناس، رغم أنه غير مناسب صحياً لطفلي، وقد يسبب التهاب أمعاء وإسهال، لذلك أضيف الماء إليه لتقليل نسبة الدسم فيه، فيصبح أخف على معدة طفلي”.

بدوره قال مصطفى، المقيم في دويلعة في دمشق، لحرية برس: إنه “حين سأل أحد الصيادلة عن سبب ارتفاع سعر حليب الأطفال، ذكر أنه يدخل من لبنان إما عن طريق الأهالي أو تهريب عبر سائقي شاحنات النقل، لذلك يصل ثمن العلبة الى 8 آلاف ليرة، حيث أن حواجز النظام تتقاضى أتاوات مقابل السماح بمرورها، وفي الوقت نفسه، تصل بعض علب الحليب من المناطق المحررة في الشمال السوري، ويكون سعرها أقل ليتراوح ما بين 5-6 آلاف ليرة سورية”.

وشهدت أسواق النظام غياب كثير من أنواع حليب الأطفال، وخاصة “نان، ألبين، بيبلاك، بيوميل، نيترو بيبي، ومامي لاك”، وهذه الأنواع هي الأكثر استهلاكاً، وفي الوقت نفسه، توقفت كثير من المراكز التابعة “للهلال الأحمر” عن توزيع حليب الأطفال المجاني للفقراء بحجة عدم توفره.

لم تكد تمضي عدة أيام على إعلان هيئة تحرير الشام، في أوائل الشهر الحالي، بسط سيطرتها على كامل منطقة إدلب ومناطق من ريفي حلب وحماة، عقب مواجهات مع فصائل الجبهة الوطنية التابعة للجيش الحر، حتى بدأت تبعات ذلك تطفو على سطح الأحداث في الشمال السوري، من خلال تعليق عدد من المنظمات دعمها لمديريات الصحة في عموم الشمال السوري.

وأكدت مصادر في مديريات الصحة الحرّة في إدلب وحلب وحماة، صحة الأنباء التي تتحدث عن قطع بعض المنظمات والجهات المانحة الدعم عن المنشآت الطبية التابعة لتلك المديريات، والمتوزعة في عدد من المدن والبلدات شمالي سوريا.

وأعربت المصادر ذاتها عن مخاوفها من استمرار تعليق الدعم أو إيقافه بشكل نهائي، ما قد ينذر بكارثة إنسانية وطبية تهدد حياة ألاف المرضى الذين يستفيدون من خدمات تلك المراكز والمشافي والنقاط الطبية التابعة لمديريات الصحة الحرّة في المناطق المحررة.

التحول إلى العمل التطوعي

وبسبب هذا القرار المفاجئ، وفق ما وصفته مصادر طبية، أوعزت مديريات الصحة الحرّة في حماة وإدلب وحلب، عبر كتب رسمية صادرة عنها، إلى الكوادر العاملة معها كافة في منشأتها الطبية، أن العمل بات تطوعياً، ولا يترتب على تلك المديريات أي التزامات مالية.

وأوضح “مصطفى العيدو”، معاون مدير الصحة في ادلب، لحرية برس، أنه تقرر تعليق العمل في مديرية الصحة والمنشآت التابعة لها اعتباراً من 1/1/2019، مرجعاً السبب إلى التطورات الميدانية الأخيرة في الشمال المحرر، التي أدت بدورها إلى تعليق دعم المانحين.

وتحدث “العيدو” عن انعكاسات تعليق الدعم، مشيراً إلى أنها تنقسم إلى نوعين؛ فمن جهة ينعكس الأمر على المرضى، حيث تمتلك مديرية الصحة منشآت تخدم نحو 80 ألف مستفيد أو مريض، ويقارب عدد المنشآت المدعومة من مديرية الصحة 33 منشأة، ما بين “مشاف ومراكز صحية وطبقي محوري، ومركز سل، ومراكز علاج فيزيائي، ومراكز غسيل كلية، ومراكز رعاية صحية أولية، وعيادات سنية، ومراكز علاج فيزيائي”.

ومن جهة أخرى، ينعكس الأمر، بحسب المصدر ذاته، على الكادر الإداري الذي يمثل الجسم الرئيس في قيادة القطاع الطبي وتوزيع الخدمات بشكل عادل، واتخاذ القرارات المناسبة والمركزية في القطاع الصحي.

وفيما يخص الخطط الموضوعة أمام مديريات الصحة الحرّة، قال العيدو: “بداية أعلنّا عن العمل التطوعي في كل من جسم مديرية الصحة والمنشآت التابعة لها، والخطة الثانية هي البدء بحملة مناصرة، بمشاركة المنظمات المحلية والدولية والمنشآت والكوادر الإدارية والأصدقاء في الخارج، لإعادة الدعم للمديرية والمنشآت التابعة لها.

وأعرب العيدو عن أمله في أن يتجاوز القطاع الطبي هذه الصعوبات في الشمال السوري، وقال: “هذه ليست المرة الأولى التي يُعَلَّق فيها الدعم، فقد حدث ذلك أكثر من مرة، وفي كل مرة كان الدعم يُستَأنف ونستطيع تجاوز الأزمة، ونأمل أن نتجاوز هذه الأزمة من جديد، كي تبقى مديرية الصحة ومنشآتها رائدة في قيادة القطاع الطبي.

أمل بعودة دعم القطاع الطبي

وطالب عدد من المشافي التابعة إدارياً لمديرية صحة إدلب الحرة، في بيان لها، كافة الجهات الدولية والمحلية تحييد القطاع الطبي الذي يخدم حوالي 3 ملايين نسمة ونصف في محافظة إدلب، ثلثهم من الأطفال، والحفاظ على مكتسباته، بعيداً عن أي تجاذبات سياسية أو عسكرية تحصل على الأرض.

وأوضح “صفوت شيخو”، مدير مكتب مدير الصحة في إدلب، لحرية برس، التطورات المتعلقة بإيقاف بعض المنظمات المانحة دعمها للقطاع الطبي وقال: “بُلِّغنا رسمياً بتعليق العمل بشكل مؤقت حتى اشعار آخر، ولا نعرف هل ينتهي التعليق قريباً أم يطول الأمر”.

وأضاف، أن أسباب هذا التعليق تعود إلى عمل دراسة جديدة حول وضع السلطات المحلية، وآلية تقديم الدعم المالي للخدمات الإنسانية، من دون أن يعد الأمر تمويلاً للإرهاب.

وأكد شيخو أن إيقاف الدعم له أثره على الأرض، وتابع بالقول: “نحن مؤسسة وطنية، ولسنا منظمة غير حكومية، كنا نعمل قبل وجود داعم مالي وسنبقى نعمل بدونه، ولدينا خططنا في حال غياب الدعم، ونؤكد أننا لسنا منظمة غير ربحية تنهار بانهيار الدعم المالي”.

وأشار “شيخو” إلى أن هناك عدة حلول وبدائل في حال عدم عودة المنحة المالية أو تأخر عودتها، ومنها تحويل بعض الخدمات من مجانية بشكل كامل إلى مأجورة تغطي الكلفة التشغيلية للمنشأة، أي تحويل المشفى من مجاني إلى مشفى خيري (كلفة رمزية)، طبعاً مع الحفاظ على الخدمات الأساسية لإنقاذ الحياة بشكل عادل وضمن توزيع جغرافي يلبي احتياج المواطنين الذين لا يملكون ثمن العلاج، كما أن هناك حلولاً أخرى لكنها مؤقتة، وتحتاج إلى تضافر قطاعات أخرى غير قطاع الصحة، وفق تعبيره.

وأعرب “شيخو” عن أمله في استئناف دعم القطاع الطبي في الشمال السوري وقال: “أعلنا عن العمل التطوعي ولدينا أمل بعدم تأخر عودة الدعم المالي، كما لدينا ثقة كبيرة في الكوادر الموجودة، حيث أن هذه تعتبر المرة الثالثة التي يتوقف فيها الدعم المالي”.

150 ألف نسمة في الريف الحموي سوف تتضرر 

ويقدر عدد النقاط والمشافي والمراكز الطبية التي تم تعليق الدعم المقدم إليها حوالي 9 منشآت طبية في عموم الريف الحموي، تقدم خدماتها الطبية لمئات المستفيدين من المرضى بحسب مديرية صحة حماة الحرّة، في حين يبلغ عدد المشافي في ريفي حلب الغربي والجنوبي 11 مشفى يعمل فيها نحو 453 عاملاً، وتقدم هذه المشافي خدماتها إلى نحو 49814 مستفيداً، بحسب صحة حلب الحرّة.

وقال الدكتور “أيهم السلوم”، مسؤول الرعاية الصحية الأولية في صحة حماه الحرّة، لحرية برس: “تم ابلاغنا في تاريخ 15 /1/2019 بتعليق العمل مع إحدى المنظمات الداعمة، ويشمل التعليق مديرية الصحة والمنشآت التابعة لها، ولا نعرف إلى متى سوف يستمر ذلك وقد يستأنف العمل أو يتوقف بشكل دائم مع المنحة”.

وأشار “السلوم” إلى الأثار السلبية المترتبة على تعليق الدعم أو توقفه بشكل دائم وقال: “إن الأثر سيكون سلبياً جداً، حيث أن أكثر من 60% إلى 70% من منشآت الرعاية الأولية تتبع لمديرية صحة حماة المدعومة من إحدى المنظمات، وإيقاف العمل سوف يؤثر سلبياً على الصحة العامة لحوالى أكثر من 150 ألف نسمة، حيث يبلغ عد المستفيدين شهرياً من تلك المنشآت أكثر 20 ألف نسمة”.

وأضاف، أن مديرية صحة حماة الحرّة، ممثلة بالدكتور “مرام الشيخ”، تتواصل مع المنظمات العالمية والمحلية في تركيا وفي الداخل السوري، لكن من دون أي استجابة، على حد تعبيره.

مطالبات باستئناف دعم القطاع الطبي

وطالب فريق منسقو استجابة سوريا في بيان له، الخميس، جميع الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري بعودة الدعم المقدم لتلك المؤسسات، محذراً كافة الجهات من العواقب الكارثية المترتبة على إيقاف الدعم المقدم إلى القطاع الطبي، معرباً عن مخاوفه من ازدياد انتشار الأمراض والأوبئة في منطقة الشمال السوري.

في حين دعا ناشطون إلى تنظيم وقفات احتجاجية تنديداً بقطع الدعم عن منشآت مديريات الصحة الحرّة في عموم الشمال السوري، مشيرين إلى أنه وفي حال توقف دعم القطاع الطبي، فإن الأمر سيؤدي إلى كارثة طبية وإنسانية بحق ألاف المرضى في تلك المناطق.

تحذيرات من كارثة بحق المرضى من الأطفال والنساء وكبار السن

في تعليق منه على موضوع تعليق دعم بعض المنظمات للقطاع الطبي في شمال سوريا، قال المحامي “علي رشيد الحسن”، رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، لحرية برس: “إنه ومنذ انطلاق الحراك الثوري السلمي طلباً للديمقراطية في سوريا، عانى القطاع الطبي في المناطق المحررة من صعوبات، أبرزها قصف قوات النظام وروسيا المنشآت الطبية من مستشفيات ومراكز رعاية الصحية وصيدليات وعربات إسعاف، وقتل الكوادر الطبية والاعتقال والهرب خارج سوريا، إضافة إلى الانتهاكات التي تقوم بها الأطراف المسلحة المختلفة”.

ثم بدأت البنية الأساسية للصحة تعاني من قصور شديد، حيث أصبحت المشافي الميدانية تفتقر إلى كل المعايير الطبية الكافية من تعقيم وعناية تمريضية صحيحة، فضلاً عن المضادات الحيوية، هذا كله دعا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى إصدار تقرير ذُكر فيه “تصاعد خطر الأوبئة الناتجة عن الأمراض المعدية بسبب توقف البرامج الصحية”.

وتابع بالقول: “إن توقف المنظمات الداعمة عن دعم الجانب الصحي في الشمال السوري المحرر يهدد عدداً كبيراً من سكان المنطقة والمستفيدين من الخدمات الصحية المجانية، الذين يعانون أصلاً من مشاكل كثيرة ذكرناها سابقا، والخاسر الأكبر هم الفئات الأشد ضعفاً من المرضى و الأطفال والمصابين وكبار السن”.

وأضاف أن الجميع يعزو وقف الدعم إلى التجاذبات السياسية المحلية والدولية، وصراع النفوذ، ناهيك عن التطورات الاخيرة التي شهدتها المناطق المحررة، في إشارة إلى سيطرة هيئة تحرير الشام على المناطق.

وحذر “رشيد الحسن”، أنه وفي حال استمر وقف دعم القطاع الصحي، فإن ذلك سيؤدي إلى مخاطر كبيرة في الجانب الصحي، وإلى انتشار الأمراض المعدية والأوبئة، وحرمان المرضى من الحصول على علاج كاف، إضافة إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بسبب حرمان عائلات العاملين في القطاع الصحي من مصادر الدخل والمعيشة، في ظل الظروف القاسية التي يعيشها السوريون في المناطق المحررة منذ سنوات.

وأشار، إلى أنهم في تجمع المحامين السوريين الأحرار، يناشدون المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الداعمة للقطاع الصحي، من أجل التدخل السريع لمصلحة الدعم المادي واللوجستي واستمرار هذا القطاع في دعم المرضى، ومن أجل عدم هروب الكوادر الطبية إلى خارج المنطقة للبحث عن مصادر رزق، وبذلك تكون وقعت الكارثة التي نخشى منها.

من الجدير ذكره، أن تلك التطورات المتعلقة بالملف الطبي في الشمال السوري، تتزامن مع تحذيرات أممية من كارثة إنسانية جديدة في سوريا، وخاصةً شمالي البلاد.

وقال “أنطونيو غوتيريس”، الأمين العام للأمم المتحدة، الأربعاء، في اجتماع غير رسمي مع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، “إن الحرب لم تنته بعد في سوريا، خاصة أن ملايين المدنيين ما زالوا مشردين، ويخشون باستمرار كارثة إنسانية أخرى، لا سيما في الشمال الشرقي والغربي من بلادهم” بحسب وكالة الأناضول.

ما زال مصير منطقة شرق الفرات محور نقاش بين الدول الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها تركيا وروسيا وأميركا، عقب قرار واشنطن إخلاء الساحة لكن مع ضمان أمن ومكاسب حليفها “قسد”، لتبدأ نقاشات مكثفة بين الدول الثلاث حول مستقبل المنطقة بما يضمن مصالحهم جميعاً، دون أخذ مصالح السوريين بالاعتبار.

وفي هذا الصدد، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نظيره الأميركي دونالد ترمب، استعداد تركيا لتولي حفظ الأمن في مدينة منبج السورية، عقب هجوم انتحاري استهدف القوات الأميركية في المدينة.

وقالت وكالة الأناضول إن الزعيمين بحثا خلال اتصال هاتفي مساء أمس الأحد آخر التطورات في سوريا، واتفقا على مواصلة المشاورات التي بدأت بين رئيسي أركان البلدين، حول المنطقة الآمنة في سوريا (شرق الفرات)، والتي أعلنت أنقرة استعدادها لإنشائها منتصف الشهر الجاري.

ودعماً لتصريحات رئيسه وبالتزامن، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار جاهزية الخطط والاستعدادات التركية لشن العملية المحتملة ضد ميليشيا “قسد” في منبج وشرق الفرات.

وخلال تفقده الوحدات العسكرية على الحدود السورية التركية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لعملية “غصن الزيتون”، قال أكار: “سنقوم بالعمليات والخطوات اللازمة في الوقت والزمان المناسبين”.

وأضاف: “خططنا واستعداداتنا جاهزة لمواجهة المشكلة التي تعترضنا في منطقة منبج السورية وشرق الفرات”.

إلى ذلك وفي تطور لافت، أفادت صحيفة “خبر تورك” التركية، اليوم الإثنين، بأن الولايات المتحدة الأميركية قد أعدت مع روسيا خطة مشتركة تتضمن منطقة حكم ذاتي للأكراد شرق الفرات، جنوب المنطقة الآمنة التي منحت لطمأنة تركيا.

وعن تفاصيل هذا الاتفاق، كشفت الصحيفة، وفق ما نقلته صحيفة “العربي الجديد”، أن “الخطة تقضي بإنشاء منطقة حكم ذاتي للأكراد تبعد عن الحدود التركية بعمق 30 كيلومتراً، وسيرفع على حدود هذه المنطقة أعلام سورية، دون وجود لقوات الأسد والمقاتلين الأكراد في هذه المنطقة”.

وبحسب بنود الخطة الجديدة أيضاً، فإن “المقاتلين الأكراد سيكون دورهم مستقبلاً هو دور الشرطة الداخلية، وسترفع الأعلام السورية على الدوائر الحكومية (التابعة للنظام)، وسيتم الحفاظ على الوحدة السورية، ولن تدخل قوات الأسد إلى داخل هذه المنطقة، وستبقى على حدودها”.

وقالت الصحيفة إن الخطة وضعها البروفسور الروسي، فيتالي نعومكن، بعد مشاروات أجراها مع قيادات كردية بارزة، على رأسها مصطفى البارازاني. وأنه تم مناقشتها مع الجانب الأميركي، ولقيت قبولاً لديه.

وأكدت الصحيفة أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب تناقشا حول هذه الخطة هاتفياً لمدة ساعة ونصف، وجرى الاتفاق على مبدأ عام، وهو عدم وجود أي عناصر لا ترغب فيها أنقرة، أو تشكل مصدر تهديد لها، من أجل القبول بالخطة”.

ومن أجل جعل هذه الخطة قابلة للتنفيذ، فإن أميركا وروسيا ربما تسهلان إحداث المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا على الشريط الحدودي بطول 460 كم، وعمق نحو 30 كم.

ويحظى هذا السيناريو بدعم من المعارضة السورية، حيث قال رئيس الائتلاف الوطني، عبد الرحمن مصطفى، إن المنطقة الآمنة المزمعة تشكل ملاذاً للمدنيين.

وفي حوار معه نشرته وكالة الأناضول اليوم الاثنين، قال مصطفى: إن المنطقة الآمنة “طرحت منذ فترة قريبة، وأساساً كانت سياسة الائتلاف طرحها سابقاً، بحيث تكون ملاذاً آمناً للمدنيين، وإيوائهم داخل الأراضي السورية، وهو ما يسهل عودة اللاجئين والمهجرين بسبب الإرهاب، بغض النظر عن عرقهم وانتمائهم الديني”.

وأكد أن “المنطقة الآمنة مهمة ليعيش فيها المدنيون بسلام، ولكن طبيعة المنطقة الآمنة غير متبلورة بعد”.

أجبرت ظروف المعيشة الصعبة اهالي المناطق المحررة والمخيمات الحدودية ،في فصل الشتاء، على البحث عن بدائل تناسب واقعهم الأليم، ولجأت كثيرٌ من العائلات إلى تأمين الدفء بوسائل بدائيةٍ أو تقليديةٍ غالباً ما تكون ضارةً بالصحة، كاستعمال فحم الحراقات، أو استخدام مدافئ تعمل على الكاز، وأخرى تعمل على الديزل المكرّر بطرقٍ بدائية إضافة إلى البلاستيك وروث الحيوانات وغيرها .

يقول أبو محمد، أحد سكان قرية “كفردريان” لحرية برس: “تحتاج كل عائلة يومياً -بمعدل وسطي- إلى 5 ليترات من مادة المازوت، يصل سعرها إلى 1500 ليرة سورية، وهو مبلغ كبير في ظل انعدام فرص العمل. أما الخيارات المطروحة فهي مكلفة جداً، حيث يصل سعر طن الحطب إلى 60 الف ليرة سورية، وسعر ليتر المازوت إلى 270 ليرة سورية”.

“ورغم سوء البديل، يستخدم الناس فحم الحراقات الذي يستعمل لتكرير المازوت الخام، حيث يصل سعر الكيلو غرام إلى 30 ليرة سورية، ويعد رخيصاً للغاية مقارنة بالمواد الأخرى، ويسبب اشتعاله في المنزل ضرراً كبيراً، لكنه يبقى افضل من معاناة البرد.”

وأفاد أبو حمزة، أحد النازحين من ريف حماة الشرقي إلى مخيم “الميدان” في ريف إدلب الشمالي، لحرية برس: “أجبرتني الظروف في فصل الشتاء على الخروج يومياً للبحث عن مواد بلاستيكية وأكياس نايلون وأي مواد أخرى قابلة للاشتعال، بسبب قلة دخلي، وعدم قدرتي على شراء المازوت، حيث أصبح خياري الوحيد جمع تلك المواد وجعلها وقوداً، لكي أقي عائلتي قسوة البرد الشديد”.

وعن مخاطر فحم الحراقات والمواد البلاستيكية على الصحة، يقول الدكتور إياد الخالد، اختصاصي طب الأطفال، “لحرية برس: “إن استخدام المواد البلاستيكية، كالنايلون وعجلات السيارات والألبسة المهترئة، وفحم الحراقات للتدفئة، يسبب ضرراً كبيراً للصحة، لأن احتراق هذه المواد يتنج روائح سامة تحمل مواد كيميائية كأول أكسيد الكربون الذي يساهم في الإصابة بالعديد من الأمراض، كالتهاب الشعيرات القصبية، والتهاب القصبات والرئتين، خصوصاً عند الأطفال دون ست سنوات، ومن الممكن أن تؤدي هذه الأمراض إلى وفاتهم إذا لم يحصلوا على العلاج عن طريق جلسات الرذاذ، كما يشكل هذا الأمر خطورة على السيدات الحوامل، لأنه قد يتسبب في حدوث تشوهات خلقية للأجنة”.

وتعتبر مواد التدفئة التي يستعملها النازحون والأهالي خطيرة جداً من حيث الاشتعال، وقد تسببت بوفاة أطفال في كثير من مخيمات ريف إدلب الشمالي نتيجة الاستعمال السيء لها.