قالت مصادر مطلعة، يوم أمس الجمعة، إن مؤتمراً روتينياً تستضيفه الولايات المتحدة للدول التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية ’’داعش‘‘، تحول إلى محاولة للحد من الأضرار الناجمة عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا.
ويهدف المؤتمر، وهو مقرر سلفاً في السابع من فبراير/شباط القادم في واشنطن، إلى جمع وزراء من 79 دولة في التحالف الدولي لهزيمة الدولة الإسلامية ’’داعش‘‘، وتحفيز قتالهم للتنظيم المتشدد.
لكن قرار ترامب في 19 ديسمبر كانون الأول الانسحاب من سوريا، والإشارات المتباينة التي أرسلتها واشنطن بشأن موعد سحب القوات الأمريكية البالغ قوامها نحو 2000 جندي، قد جعل حلفاء وشركاء الولايات المتحدة يعيدون النظر في التزاماتهم.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية في أحدث إشارة غاضبة، يوم الجمعة، للصحفيين، إن الولايات المتحدة ليس لديها جدول زمني لسحب القوات من سوريا، ثم قال إنها لا تخطط للبقاء في سوريا إلى أجل غير مسمى.
وأوضح مسؤول كبير آخر في الخارجية الأمريكية في إفادة للصحفيين، قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكي ’’مايك بومبيو‘‘ إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، أن إحدى رسائله الرئيسة تفيد أن ”الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط“.
وأضاف المسؤول في الخارجية: ”رغم التقارير عن الروايات المتناقضة والخاطئة المحيطة بالقرار بشأن سوريا، فإننا لن نذهب إلى أي مكان“.
فيما قالت ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر، إن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، لا تزال تسعى جاهدة لاحتواء تداعيات قراره حول سحب القوات.
بينما قال مستشار في وزارة الدفاع الأمريكية ’’البنتاغون‘‘، إن المؤتمر يأتي في إطار جهود ”السيطرة على الأضرار“ التي استلزمها قرار ترامب المفاجئ، وإنه يستهدف التوضيح لأعضاء التحالف ”أن شيئاً لم يحدث“ فيما يتعلق بالانسحاب.
وأوضح المستشار في وزارة الدفاع: ”كان إعلان ترامب الانسحاب قراراً فردياً متسرعاً“، أثار غضب وإحباط القادة العسكريين الأمريكيين وأعضاء التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية ’’داعش‘‘، مضيفاً أن ”هذا المؤتمر يهدف للحد من الأضرار فحسب“.
علاوة على ذلك، فقد أكد أشخاص آخرون على دراية بمناقشات الإدارة الأمريكية، أن الاجتماع كان مقرراً من قبل، لكن أحدهم قال إنه بات ملحاً أكثر بعد قرار سحب القوات.
من جهة آخرى، أكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية، أن المؤتمر سيعقد كما كان مقرراً، وأن الدعوات قد وُجهت، لكنها رفضت التعليق على جدول أعمال المؤتمر قائلةً: ’’إن العمل لا يزال جارياً في هذا الشأن‘‘.
وذكر مصدر آخر مطلع على مناقشات الإدارة، أن الاجتماع أصبح أكثر إلحاحاً وأكثر صعوبة بسبب الإشارات المتضاربة عن الانسحاب، مما قد يؤدي لتردد المسؤولين الأجانب في الحضور إلى أن تتضح الصورة بشكل أكبر.
وأشار المصدر المطلع على مناقشات الإدارة بشأن هذه المسألة، إلى ”أنهم يحاولون حل معضلة ما قاله الرئيس وما يريد المسؤولون الأمريكيون الآخرون فعله، وهو أمر ليس يسيراً“.
ولفت مسؤولون في وزارة الدفاع ’’البنتاغون‘‘، يوم الجمعة، إلى أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة مازالت تستعيد أراض من تنظيم الدولة الإسلامية ’’داعش‘‘ في سوريا، وذلك بعد مرور أسبوعين على إعلان ترامب أن القوات نجحت في مهمتها ولم تعد هناك حاجة إليها.
وقدم ترامب عدداً من الجداول الزمنية المختلفة لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وفي 19 ديسمبر كانون الأول، قال إن القوات سوف ”تعود الآن“، فيما تراجع عن كلامه بعد بضعة أيام، وقال في تغريدة على تويتر إن الانسحاب سيكون ”بطيئاً ومنسقاً للغاية“، وهذا الأسبوع، قال إن الانسحاب سيكون ”على مدى فترة زمنية“.
وفي حين بحث خبراء التخطيط العسكري جداول زمنية مختلفة، قال مسؤولون أمريكيون إن الأمر قد يستغرق عدة أشهر لتنفيذ الانسحاب، ربما لإعطاء القوات المدعومة من الولايات المتحدة مهلة لتوجيه ضربات قاسمة للتنظيم المتشدد، الذي كان يسيطر ذات يوم على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا.
ونوّه شخص مطلّع على المناقشات، أن أحد المقترحات التي تجري دراستها، الانسحاب في مدة تستغرق 120 يوماً، بينما توقع مصدران أن الأمر سيستغرق على الأقل حتى نهاية عام 2019 لإكمال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، فيما قال مستشار البنتاغون: ”حتى لو أرادوا ذلك، لا يمكن أن ينسحبوا في غضون أربعة أشهر“.
أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، ببدء تنفيذ انسحاب “كامل” و”سريع” للقوات الأميركية من سورية. وقد نجم عن هذا القرار الذي جاء عبر تغريدة في تويتر[1] صدمة كبيرة في واشنطن وبين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، خصوصًا أنه ترافق مع إعلان مسؤولين في البيت الأبيض نية الرئيس خفض القوات الأميركية العاملة في أفغانستان إلى النصف. ويخشى قادة سياسيون وعسكريون في واشنطن أن يترك قرار الانسحاب من سورية فراغًا يملؤه خصوم الولايات المتحدة، وتحديدًا روسيا وإيران، كما أن خروجًا أميركيًا مبكرًا قد يعيد بعث الحياة في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”. وتَمثّل أوّل تداعيات قرار ترامب الذي جاء توقيته كما يبدو لأغراض داخلية متعلقة بشعبيته، من دون تنسيق مع مستشاريه للأمن القومي، في استقالة وزير الدفاع، جيمس ماتيس، والمبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الجنرال بريت ماكجورك، احتجاجًا على القرار. وقد عارض القرار أيضًا وزير الخارجية، مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، لكن محاولاتهم لثني ترامب عنه لم تُجد نفعًا[2].
بحسب الرئيس ترامب، لم يعد ثمة مبرر لبقاء الولايات المتحدة في سورية بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، ولا ينبغي لأميركا أن تكون “شرطي الشرق الأوسط”، تقدم التضحيات من أجل حماية الآخرين[3]. وهي مقولات تلقى صدىً في الشارع الأميركي حيث الأولوية للاقتصاد، وحيث تلقى شعارات مثل “أميركا أولًا” أو “على من يريد الحماية أن يدفع” بعض الرواج.
ورفض ترامب الانتقادات الموجهة لقراره لناحية خلق فراغ في سورية تستفيد منه روسيا وإيران وداعش، معتبرًا أن روسيا وإيران وآخرين “ليسوا سعداء بمغادرة الولايات المتحدة لأنهم سيضطرون إلى محاربة داعش (بأنفسهم)”[4]. كما أشار في معرض تبريره القرار إلى أنه اتفق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن تتولى تركيا القضاء على بقايا تنظيم داعش، بينما تتولى السعودية تمويل إعادة إعمار سورية، وستقوم بذلك بدلًا من الولايات المتحدة. وقال: “وافقت السعودية على تقديم التمويل اللازم لإعادة إعمار سورية بالنيابة عن الولايات المتحدة”. وأضاف: “من الجيد أن تساعد دول فاحشة الثراء جيرانها بدلًا من أن تقوم بذلك دولة عظمى على بعد خمسة آلاف ميل”، في إشارة إلى الولايات المتحدة، مختتمًا بالقول “شكرًا للسعودية”[5].
ويتسق إعلان ترامب عن الدورين المحتملين لتركيا والسعودية في سورية مع قناعته التي طالما عبّر عنها وتتمثل في أن حلفاء الولايات المتحدة الذين يعتمدون على مظلتها الحمائية مطالبون بأن يدفعوا مقابل تلك الحماية، أو أن يقتسموا التكلفة مع الولايات المتحدة، أو أن يتحملوها وحدهم.
يتخذ رفض ترامب فكرة أن تتولى الولايات المتحدة مسؤولية حماية الآخرين أو خدمة مصالحهم من دون مقابل، بحسب رأيه، شكل عقيدة إستراتيجية جديدة، لكنه في الحقيقة سلوك سياسي ناجم عن أسباب داخلية وحسابات انتخابية، حتى لو كان مفعوله يشبه مفعول عقيدة إستراتيجية جديدة. ومعلوم أن سحب القوات الأميركية من سورية كان أحد الوعود الانتخابية التي سبق أن تعهد بها ترامب مرشحًا. وهناك محاولات واضحة أيضًا من ترامب لشد عصب قاعدة دعمه اليمينية في مواجهة المشكلات القانونية والسياسية المتصاعدة تجاهه والمتصلة بتحقيقات المحقق الخاص، روبرت مولر، حول تواطؤ مزعوم بين حملته الانتخابية وروسيا في انتخابات عام 2016. ويمثل شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري واحدًا من أسوأ الشهور في رئاسة ترامب، خصوصًا مع اقتراب التحقيقات منه شخصيًا ومن عائلته وأعماله، فضلًا عن استمرار النزيف في إدارته متمثلًا في موجات الإقالات والاستقالات. وشهد تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 فوزًا كاسحًا للحزب الديمقراطي في مجلس النواب ضمن انتخابات التجديد النصفي. وهو ما يعني تعطيل أجندته الداخلية، فضلًا عن إجراء تحقيقات واسعة ومكثفة حوله شخصيًا، وحول محيطه وإدارته. ونظرًا إلى أن سلطة الرئيس في حقل السياسة الخارجية أوسع منها في السياسة الداخلية، فربما اختار ترامب أن يستثمر فيها مبكرًا قبل أن تتولى الأغلبية الديمقراطية رئاسة مجلس النواب مطلع العام القادم.
ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أن قرار ترامب جاء في سياق اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2018، رتب له بومبيو، بعد تهديد أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية تستهدف المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة في شمال شرق سورية. وقد ساهم ماتيس وبومبيو وآخرون في إعداد ملاحظات لترامب يسترشد بها خلال الاتصال الهاتفي لكي يقف في وجه العملية العسكرية التي تهدد تركيا بشنّها شرق الفرات. إلا أن ترامب قبل شكوى أردوغان من أن الولايات المتحدة تقوض الأمن التركي بدعمها الأكراد، وردّ على ذلك بتأكيده أن أميركا لا تريد البقاء في سورية، واتخذ بناء عليه قراره بالانسحاب متجاهلًا ملاحظات مستشاريه[6].
وبحسب مسؤول أميركي، فإن ترامب، بعد أن تلقى تأكيدات من أردوغان بأن بلاده ستتولى مهمة محاربة داعش، خاطبه قائلًا: “هي (سورية) لك إذًا، لقد انتهينا”[7]. وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه ترامب قراره الانسحاب من سورية أعلنت الخارجية الأميركية عن موافقتها على بيع نظام باتريوت الصاروخي الأميركي لأنقرة بقيمة 3.5 مليارات دولار، من دون أن تربط ذلك بوقف صفقة شراء تركيا منظومة الصواريخ الروسية “أس-400”[8]، كما كانت تشترط سابقًا. وبعد يومين من إعلان ترامب قرار الانسحاب، أعلن أردوغان أن تركيا ستتولى المعركة ضد تنظيم داعش في سورية مع سحب الولايات المتحدة قواتها، مؤكدًا أنها ستستهدف، أيضًا، وحدات حماية الشعب الكردية التي تدعمها واشنطن[9]. وقد بدأت تركيا ترسل تعزيزات عسكرية إلى حدودها مع سورية في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2018، على نحوٍ فُهم منه أنه تنفيذ للاتفاق بين الطرفين.
أثار قرار ترامب الانسحاب من سورية قلقًا وردات فعل مستغربة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وكان لافتًا الإدانات الصادرة عن قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس إلى جانب الديمقراطيين. أما خارجيًا فأثار قرار ترامب الذي لم يسبقه تنسيق مع الحلفاء الإقليميين والدوليين (ما عدا تركيا) المخاوف من أن الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب تنهج نهجًا انعزاليًا، وبناء عليه، لم تعد قوة يمكن الركون إليها والاعتماد عليها، خصوصًا مع تزايد السياسات التوسعية الروسية والصينية، وهو ما جدد الأصوات المطالبة أوروبيًا، مثلًا، بضرورة بناء قدرات دفاعية ذاتية[10]. وقد فصلت رسالة الاستقالة التي بعث بها ماتيس تداعيات قرار الانسحاب على صدقية الولايات المتحدة، وعلى الأمن والاستقرار الدوليَين. وعُدّت هذه الرسالة توبيخًا نادرًا من وزير كبير في الإدارة الأميركية لرئيسه.
ويتلخص أهم المخاوف من قرار الانسحاب في ما يلي:
اتُّخذ قرار الانسحاب من سورية وأصبح نهائيًا الآن. إلا أن هذا لا يعني أنه سينفَّذ على الفور؛ فتحقيق ذلك سيتطلب أسابيع، إن لم يكن شهورًا. وربما تلجأ المؤسسة العسكرية إلى إبطاء وتيرة الانسحاب قدر الإمكان، وهي لن تعدم الحجج والمسوغات لذلك، رغم إصرار الرئيس على إتمامه في وقت سريع نسبيًا. وتدرس وزارة الدفاع الآن خياراتٍ بديلةً لوجودها المباشر على الأرض السورية؛ فإضافة إلى الضربات الجوية التي ستستمر، فإن ثمة حديثًا عن تشكيل فرق كوماندوز تتمركز على الجانب الآخر من الحدود تقوم بعمليات خاصة كلما اقتضى الأمر، وهو ما أشار إليه ترامب خلال زيارته السرية الخاطفة للعراق[17]. ويوجد في العراق نحو 5000 جندي أميركي. غير أن هذا كله لن يكون قادرًا على تعويض الغياب الأميركي الفعلي عن الأرض، خاصة إذا احتدم التنافس بين القوى الساعية إلى ملء الفراغ.
باختصار، يُعدّ قرار ترامب في سورية تعبيرًا آخر عن الفوضى التي تثيرها إستراتيجيته للأمن القومي المنطلقة من شعار حملته الانتخابية “أميركا أولًا”؛ إذ أثبت قراره الأخير في سورية، والآخر المنتظر في أفغانستان، حجم الهوة بين فهم ترامب الشخصي لهذه الإستراتيجية وفهم “المؤسسة” لها. ويمكن القول إن ترامب يبدو كمن لم يقرأ إستراتيجية إدارته ذاتها للأمن القومي[18]، إذ يبقى اهتمامه منصبًّا على الحفاظ على قاعدة دعمه الشعبية التي تزداد أهميتها بالنسبة إليه كلما زادت المشاكل والتحديات القانونية والسياسية التي تواجهه.
نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية تقريراً، تحدثت فيه عن التطورات التي قد تحدث للمستقبل فيما يخص تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر بقضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقالت المجلة، في تقريرها المطول، إن “شيئاً واحداً من المؤكد أن يستمر في العام الجديد هو أن المحامي الشخصي لترامب رودي جولياني سيعمل كمدافع شرس عن الرئيس في وسائل الإعلام”.
وأشارت المجلة إلى أنه “يبدو أن تعليقاته (أي المحامي) وضعت موكله في خطر قانوني آخر، ما يتناقض مع بعض ادعاءات ترامب السابقة بشأن مدفوعات الأموال المستحقة للسيدتين، كارين ماكدوغال وستورمي دانيلز (الاسم الحقيقي ستيفاني كليفورد)”.
وفي الآونة الأخيرة، وخلال مقابلة على الإذاعة في نيويورك، قال جولياني: “لقد حان الوقت [لمولر] ليتحدث ويصدر تقريره النهائي أو يصمت”.
وقال نيك أكرمان، وهو مدع سابق في قضية “ووترغيت”، لمجلة نيوزويك، إن انتهاكات تمويل الحملة التي أقر بها محامي ترامب السابق مايكل كوهين بأنه مذنب فيما يتعلق بمدفوعات الأموال يمكن أن يكون أكثر دمارًا من التواطؤ الروسي المحتمل مع حملة ترامب في عام 2016.
وأصر مايكل كوهين، المحامي السابق لترامب، على أن الأخير كان على دراية بأن من الخطأ دفع أموال مقابل شراء صمت أشخاص خلال حملة الانتخابات الرئاسية في عام 2016.
وقال أكرمان “إن القضية التي ارتكبوها في المنطقة الجنوبية (في نيويورك) بشأن انتهاكات الحملات الانتخابية هي قضية كبيرة، على الأقل إذا كنت جالساً في هذه الحالة، كنت سأوجه الاتهام، وأختم، ونقدمه للمحاكمة بمجرد ترك (ترامب) منصبه فقط. للحفاظ على قانون التقادم، وأضاف: “لقد قال العديد من التصريحات الكاذبة، تنكر أولا، ثم تغيرت روايته عدة مرات. يمكن استخدام كل هذا ضده”.
وقالت المجلة إنه في عام 2019 من المرجح أن تستمر جهود الرئيس في تقويض تحقيق مولر بشكل علني من خلال وصفه باستمرار بأنه “مطاردة ساحرة”.
وكان ترامب أقال المدعي العام السابق جيف سيسيز، الذي رفض التدخل في التحقيق الروسي، واستبدل به المدعي العام بالنيابة ماثيو ويتاكر، الذي دأب على انتقاد التحقيق.
بدوره، قال المحامي الأمريكي البارز آلان ديرشوفيتز إنه “على الرغم من أن رد محامي ترامب قد يبدو للوهلة الأولى مهمة شاقة، إلا أنني لم أعثر في حقيقة الأمر على أي قرينة أو دليل يمكن أن يشكل أساسا لتقديم ملتمس عزل ضد الرئيس ترامب”.
وأوضح في مقال له في موقع “ذا هيل” “حقيقة كون مقربين من ترامب ملاحقين أمام العدالة ستشكل نواة تقرير روبرت مولر، ما سيساهم في إذكاء حالة التقاطب في المشهد السياسي في واشنطن”
أُصيبت وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)، وكل مكونات الإدارة الأميركية بالصدمة من قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سورية. قدم وزير الدفاع، جيمس ماتيس، استقالته، وتضمنت استخفافاً بالرئيس، وأن عليه أن يجد وزيراً يتفق مع أهوائه. وترك المبعوث الأميركي للتحالف ضد الإرهاب، بريت ماكغورك، مهمته، عدا عن أن عشرات الموظفين الأساسيين في البيت الأبيض استقالوا من قبل. حتى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والذي لا يندهش أبداً، استغرب الأمر، أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فقد أجّلَ عمليته العسكرية التي كانت مقرّرة لمنطقة شرقي الفرات، ريثما تنجلي الأوضاع. وكان تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كأنّه تلقّى صفعة "الاحترامُ واجبٌ بين الحلفاء".
اهتز العالم من قرار ترامب، حيث بدت أميركا دولة تافهة بكل المقاييس: فكيف تتخلى عن مواقع عسكرية في منطقة حسّاسة، وتكلفة البقاء فيها منذ العام 2014 فقط 23 مليار دولار، ولا تُقارن بالخسارات التي تكلفتها أميركا في العراق (570 مليار دولار)، أو أفغانستان (590 مليار دولار)، عدا عن أنّ وجودها آمن، وعليه أطلقت مشاريع صفقة القرن وحصار إيران. أجمعت تحليلات كثيرة على أن الانسحاب لن يتم سريعاً، وربما خلال المائة يوم سيتم الاتفاق مع الإدارة الأميركية للتنسيق مع كل الأطراف، بما يحقق ما قاله المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، عن نصرٍ حقيقي على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتحجيم الوجود الإيراني، وإجراء تغييراتٍ كبرى في النظام السوري، هذا من جهة. ومن أخرى، قالت هذه التحليلات إن الانسحاب المفاجئ هذا قد يُدخل سورية والدول المتدخلة فيها في صراعاتٍ جديدة، وربما إلى أمد طويل؛ إيران والنظام وتركيا تحشد الآن على شمال سورية.
أولا، لا يعني قرار ترامب، ولو تمّ تنفيذه، أن أميركا لن تكون مقرّرة مع روسيا، خصوصا مستقبل الوضع السوري، وكذلك لا يعني أبداً أنها ستكون شريكة للروس في سورية، فأميركا حدّدت استراتيجيتها ضد الصين وفي المحيط الهادئ. وبالنسبة لها، سورية من حصة روسيا، بينما العراق لها؛ كل ما فعلته أميركا في سورية يؤكد هذه الفكرة، فقد كان هدفها إنهاء الثورة، وإضعاف الدولة السورية، وهو ما رفضت المعارضة رؤيته منذ العام 2011، وتأتي محاربة الإرهاب في الدرجة الثانية، ولكن بعد السماح له بالوصول إلى سورية. يعتمد منظور الرئيس الأميركي سياسة المضاربة ولغة المال والصفقات، وبالتالي ليس مهماً البقاء في سورية، ما لم تكن هناك أطراف تُمول قوات بلاده، وهذا غير ممكن، وفق موازين السياسة العالمية، قبل الاتفاق على مستقبل سورية. والمسخرة في أن الرئيس يطالب بأموال لجنوده، وفي غياب تحقق ذلك، تجب إعادتهم إلى الوطن، كما فعل وأعاد أيضاً ألاف الجنود من أفغانستان. لا قيمة لشركاء أميركا، ولا يُستشارون في أمر الانسحاب، حيث عَلِمَ الجميع بالخبر عبر "تويتر"؛ الفرنسيون والبريطانيون والإيطاليون وسواهم، والسؤال: هل من إهانةٍ أكثر من ذلك؟
ثانياً، جاء قرار ترامب مترافقاً مع صفقة عقدها مع أردوغان، وتخص تسليم تركيا صواريخ باتريوت وصفقة طائرات. ترامب الشعبويُّ بامتياز، نَسقَ شؤون الشمال السوري مع تركيا ولصالحها، وبما يُهمش، وربما يُنهي أي وجود عسكري كردي في سورية! وكذلك بما يدعم تركيا في أي معارك ضد المليشيات الإيرانية. ليست العلاقة مع روسيا مجال حربٍ، فأميركا "تُهدي" سورية لروسيا، وتفترض العلاقات التركية الروسية المتعددة الأوجه تنسيقاً بما يخص سورية.
ثالثاً، كان الرئيس الروسي، بوتين، قد أعلن أن 2019 عام "الحل السياسي" في سورية، وأن سابقه هو عام إنهاء الحرب والصراعات الدولية والإقليمية بخصوص سورية. ترامب يثق ببوتين، وربما تأتي خطوة الانسحاب ضمن سياق تسهيل مهمة السياسة الروسية لحسم قضية الحل السياسي هذه، والتنسيق مع الإيرانيين لتخفيف حضورهم، وكذلك مع الأتراك، لعقد تسوية سياسية تخص سورية. انتهت الثورة، فلماذا لا نتقاسم الغنائم. في هذا النقطة، تداولت الأخبار أن رئيس حكومة إسرائيل، نتنياهو، هو الوحيد الذي أًخبِرَ بقرار الانسحاب، أي أن ترامب طمأنه بأن الخطوة هذه لن تُهدد مصالح إسرائيل، وأن أميركا لم تغيّر سياساتها تجاه إسرائيل وضد إيران.
رابعاً، هناك استخلاصات يتداولها الإعلام بتسرعٍ، كالقول إن النظام وإيران وروسيا وتركيا الرابحة من قرار ترامب، وأن إسرائيل وأكراد سورية وأوروبا خاسرون. تدفع مفاجأة الانسحاب الذي كرّر قوله ترامب، في أثناء ترشحه للرئاسة مرات، إلى خلاصاتٍ كهذه. وهناك من يؤكد أن هذا الانسحاب ربما يساعد ترامب في ولاية ثانية، حيث إن الرئيس يلتزم بما يقول، وهذا مهم للدعاية الانتخابية! أما القول إن إيران والنظام سيربحان ففي هذا خطأ كبير. لن يظل النظام، حتى وفق التوافقات الروسية التركية، كما هو، وكل الكلام عن إعادته إلى جامعة الدول العربية، لن يسمح له باستعادة حضوره الإقليمي كما كان، ولا حتى سيطرته على الداخل السوري. التوافقات التركية الروسية، والآن الخلافات التي ستنشأ بينهما على إدلب، أو شمال سورية، ستدفع نحو تسويةٍ تُراعي مصالح الدول المحتلة لسورية. وأضيف أن الروس كانوا عازمين على الخلاص من الثورة منذ بدايتها، والآن انتهت، لكنهم كذلك لم يقولوا إنهم يتمسّكون بالنظام كما هو، ثم إن الأميركان ينسحبون، وأمر سورية أصبح بيدهم، والمشكلة هنا أنه ليس من أموالٍ لديهم، ورموز النظام مطلوبون للعدالة الدولية. وبالتالي، هناك ضرورة لإجراء تغيرات كبرى في النظام، حتى يتم قبوله. وفي هذه النقطة، لن تخرج أوروبا من المونة بلا حُمص.
خامساً، الانسحاب الأميركي، وفي حال تحققه، وأيضاً وقبل قرار ترامب، كانت سورية تتجه إلى إرساء وضع نهائي "تقسيمي" بين الدول. والآن، لا يمكن لروسيا تجاهل مصالح الأكراد والمعارضة والمناطق الخاضعة للأتراك. وبالتالي، نعم، خلط الانسحاب الأوراق، لكنه لم يُغير في المعادلات بشكل كامل. ولن تستمر إيران في تمدّدها، فهناك قرارات ضدّها، بغض النظر عن وجودها في سورية. وهناك ضرورة لتحجيم ترسانتها العسكرية، وبالتالي لم تسقط قضية مواجهتها. ترامب شعبوي، ويغير من سياساته باستمرار، ولكن إيران محاصرة بعقوباتٍ اقتصادية كثيرة؛ إذاً روسيا تستلم سورية بالكامل، وبالشراكة مع تركيا، والأخيرة حليفة أميركا على الرغم من خلافاتهما. سيكون الأكراد أكبر الخاسرين؛ الأنكى أن عرب سورية سينظرون إليهم "عملاء" لأميركا، وأن الأخيرة باعتهم، والآن هناك تحالف تركي مع الفصائل، وسيتحرّك النظام لمحاصرتهم أو تركيا ستحاصرهم، ولن تمانع روسيا في ذلك بالتأكيد. أصاب جنون ترامب حزبي الاتحاد الديمقراطي (الكردي) والعمال الكردستاني بمقتلٍ. ويبدو أن جبال تركيا والعراق لم تعد موئلاً لهم. والسؤال: هل نجد تقارباً عربياً كردياً في سورية من غير أهل المتعصبين وضيقي الأفق؟ ربما.