تقارير وملفات

مرحلة سياسية جديدة تلقي بظلالها على “ملف اللاجئين السوريين” في لبنان، خاصة بعد أن أُعلِنَ عن تشكيل حكومة جديدة، الخميس الماضي، برئاسة “سعد الحريري”، ضمت ثلاثين وزيراً احتفظ عدد منهم بحقائبهم الوزارية، في حين دخل وزراء جدد إليها.

وتضم الحكومة الجديدة أحد عشر وزيراً يمثلون تيار الرئيس “عون” السياسي، ما يمنحه عملياً القدرة على تعطيل إصدار أي قرار لا يحظى بموافقة وزرائه، في حين يمثل ثلاثة وزراء حليفه “حزب الله”.

واحتفظ “جبران باسيل” المعروف بمواقفه غير المرحبة بوجود اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية، بحقيبة وزارة الخارجية، فيما أوكلت حقيبة وزارة الدولة لشؤون النازحين إلى “صالح الغريب” المحسوب على ميليشيا “حزب الله”.

وكان بقاء الوزير “باسيل” واستلام الوزير “الغريب” ملف شؤون النازحين بدلاً من الوزير “معين المرعبي”، المعروف بمواقفه الرافضة لعودة اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، من أبرز الأمور التي تقلق اللاجئين السوريين حيث أنهم مقبلون على مرحلة مستمرة من الضغوط، وخاصة الصحية منها في ظل سيطرة “حزب الله” على قطاع الصحة، بحسب مراقبين.

وفي ظل حالة الترقب الحذر التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان عقب تشكيل تلك الحكومة، تطفو على السطح مجموعة من الأسئلة فيما يخص انعكاس تلك التطورات على ملف اللاجئين السوريين، فهل نحن أمام حالة من تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين للتيار العوني، وإلى أي حد ستمارس الضغوطات على هؤلاء اللاجئين لإجبارهم على العودة إلى سوريا؟

ملف اللاجئين السوريين ملف “أمني”

وفي ردّ منها على تلك التساؤلات، قالت “أمل الشيخو”، رئيسة دائرة شؤون اللاجئين في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، في تصريحات خاصة : “إن ملف اللاجئين السوريين في لبنان يصنف، من وجهة نظر حكومية، ملفاً أمنياً بالدرجة الأولى، لا إنسانياً، ويتبع في ثناياه لوزارة الداخلية، حيث تعتبر البلديات تابعة لوزارة الداخلية، وبالتالي تتبع الإقامات وتسوية الأوضاع القانونية للاجئين للوزارة نفسها.

وتابعت بالقول: “وحيث أن وزيرة الداخلية ’ريا الحسن’ قريبة من تيار المستقبل المتعاطف مع قضية اللاجئين السوريين، ستكون على رأس الوزارة المعنية بهذا الجانب الأمني، فإنه من المستبعد إحداث تغيير كبير ومؤثر على حياة اللاجئين السوريين في لبنان”.

وأضافت، أنه من جهة أخرى فإن الجانب الإنساني الخاص بالخدمات الإغاثية والمناط بوزارة شؤون النازحين، تأثر أساساً بمقدار الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين السوريين في لبنان، وحيث أن الوزارة المعنية ماهي إلا وزارة منظمة لتلك المساعدات والمنح بالدرجة الأولى، فهذا يقلص من دورها كثيراً في التأثير على حياة اللاجئين السوريين.

وحول الشكوك المتداولة فيما يخص تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين السوريين لصالح التيار العوني، أوضحت “الشيخو” أن ذلك ليس مرجحاً، حيث أن وزارة الداخلية المعنية أساساً بالجانب الأكثر تأثيراً في حياة اللاجئين السوريين قد سُلِّمت إلى شخص مقرب من رئيس الحكومة الجديد سعد الحريري، وأن ملف اللاجئين في لبنان ملف أمني إنساني مشترك، أما قضية عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا فهي مطلب سياسي في منتهاه يخص النظام السوري بالدرجة الأولى ومن ثم حلفاءه، وكون العودة مرتبطة بترتيبات أمنية أولاً، فستكون ذات صلة مباشرة بوزارة الداخلية المحسوبة على تيار المستقبل، لافتةً إلى أن معظم أسهم هذا الملف، ما زالت في حوزة تيار المستقبل.

استثناء اللاجئين السوريين من الموازنة لن يشكل فارقاً كبيراً

ومن الأمور التي تزيد من حالة القلق بين اللاجئين السوريين، استثناؤهم من موازنة عام 2019، بحسب ما أعلنه رئيس الحكومة “سعد الحريري”، الذي نقلت عنه “الوكالة الوطنية للإعلام” قوله: “إن الحكومة اللبنانية المشكّلة حديثاً ستكون مرغمة على اتخاذ قرارات صعبة من أجل تخفيض الموازنة، وإنه لا تمويل يتعلق بملف النزوح السوري”، داعياً الجهات الخارجية المانحة إلى الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين في لبنان.

وفي هذا الصدد قالت “الشيخو”: إن حكومة لبنان تعد حكومة تقشف، وتسعى إلى سد احتياجات مواطنيها قبل احتياجات اللاجئين إلى أرضها، ورغم وجود ميزانية سابقة تخص اللاجئين كانت قد أدرجت في الموازنات السابقة، فإن حجم تلك المخصصات ضئيل للغاية أمام المساعدات الممنوحة من الأمم المتحدة والدول المانحة الأخرى، سواء عبر مؤتمر بروكسل أو الحملات الدولية المنفردة مثل حملة قطر الأخيرة، لذا فإننا لا نعتقد أن فارقاً كبيراً سيحدث أو سيكون له أثر ملموس على حياة اللاجئين السوريين في اللبنان.

وتابعت، أنه من الممكن أن نقرأ في هذا الاستثناء من الموازنة رسالة سياسية تخص الشأن اللبناني الداخلي، حيث تسعى الأطراف إلى امتصاص حالات الغضب الشعبي الناتج عن الضائقة الاقتصادية الهائلة في لبنان، حيث يقوم عديد من الأطراف بتوظيف ورقة اللاجئين في معاركهم الانتخابية.

لا فائدة من محاولات الروس إعادة اللاجئين السوريين

وفي سياق تلك التطورات، تواصل روسيا مساعيها للضغط من أجل إعادة اللاجئين السوريين المتواجدين في دول اللجوء إلى سوريا، وخاصة في لبنان، مستغلة تماهي موقف وزير الخارجية “باسيل” المؤيد لتلك المساعي.

وحول ذلك قالت “الشيخو”: إنه مما لا شك فيه أن روسيا بوصفها طرفاً دولياً داعماً لنظام الأسد، مدفوعة برؤية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ستنحو دائماً إلى توظيف قضية اللاجئين في إطار حل سياسي يخدم رؤيتها، وخصوصاً أن عودة اللاجئين ترتبط ارتباطاً عضوياً بملف إعادة الإعمار الذي سيكون الركيزة الأساسية الداعمة لنظام الأسد، فيما لو تجاوبت الدول الغنية وتداعت إلى إعادة الإعمار في سوريا من دون حل سياسي متوافق مع مقررات جنيف.

وترى “الشيخو” أن الموقف الروسي سبق له أن تعرض إلى حالة من الرفض الدولي، حيث كانت بيانات الدول المستقبلة للاجئين السوريين ترفض الرؤية الروسية بشأن عودة اللاجئين قبل الحل السياسي، على حد تعبيرها.

واستبعدت “الشيخو” أن تكون الفرصة مواتية في المدى المنظور للروس لإعادة المحاولة ثانية، وخصوصاً بعد قوائم العقوبات الأوربية والأمريكية الجديدة بحق عديد من رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالنظام، بما معناه أن لا حظوظ لإعادة الإعمار في سوريا في ظل الوضع القائم، وكما روج لها إعلام النظام، وبالتالي لا فائدة من الحديث عن عودة اللاجئين.

قرار عودة اللاجئين مرتبط بمجلس الوزراء 

من جانبه، يرى الناشط الحقوقي ومدير مؤسسة “لايف”، المحامي “نبيل الحلبي”، أن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون له تأثير قوي على اللاجئين السوريين من ناحية تزايد الضغوطات عليهم، إلا أنه قلل في الوقت نفسه من انعكاس استلام وزير محسوب على ميليشيا حزب الله لملف شؤون النازحين، وقال: “ليس هناك تأثير على تعيين وزير من قوى 8 آذار القريبة من النظام السوري أو حزب الله بدلاً من الوزير ’معين مرعبي’، لأن وزارة الدولة لشؤون النازحين ليس لديها صلاحيات بشأن إعادة اللاجئين إلى سوريا، وهذا القرار الكبير يتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً ويرسم سياسته رئيس الحكومة وفقاً للدستور، وبالتالي ليس هناك أي تغيير جوهري في هذا الملف بعيداً عن الضغوط لا أكثر ولا أقل على مستوى التصريحات السياسية، فعلى سبيل المثال كنا نتابع تصريحات وزير الخارجية “باسيل” الداعية إلى إعادة اللاجئين السوريين، إلا أنه كان يقابل بتصريحات مضادة مخالف للرأي من وزير الدولة لشؤون النازحين ’معين المرعبي’”.

وتابع بالقول : “من الممكن أن نلمس الآن تصريحين متقابلين، ولكن القرار مناط بمجلس الوزراء مجتمعاً، ويرسم رئيس الحكومة هذا القرار وسياسة الدولة في هذا الشأن، وموقف رئيس الحكومة واضح، وهو مع التمسك بحق عودة اللاجئين إلى سوريا حين تكون عودة آمنة وكريمة تحت مظلة الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وبالتالي ليس هناك أي تغيير في هذا الملف”.

وفي سياق حديثه، استبعد “الحلبي” ما يُتَداول بخصوص تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين للتيار العوني وقال: “ليس هناك وزارة مخصصة لتيار أو لحزب حتى يتخلى عنها، بل هناك توزيع حقائب بين القوى السياسية اللبنانية، وكانت تلك الحقيبة في الحكومة السابقة من حصة تيار المستقبل واليوم هي من حصة التيار العوني وبالتالي ليس هناك تنازل”.

مخاوف من صعوبات ستواجه اللاجئين السوريين على الصعيد الطبي

وعن رأيه في استثناء اللاجئين السوريين من موازنة 2019 قال “الحلبي”: “إن استثناء اللاجئين السوريين من موازنة لبنان 2019 أمر متوقع كون الوضع المادي في لبنان كارثي، وبالتالي لا تستطيع ميزانية الدولة بمداخيلها المحلية تغطية احتياجات اللاجئين السوريين، وطبعاً سيكون هناك تأثير كبير لأن التغطية تشمل وزارة الصحة، وهذه الوزارة من نصيب حزب الله، وبالتالي سيحرم اللاجئ السوري من التغطية الصحية”.

ولكن “الحلبي” أعرب عن اعتقاده أن هذا الأمر كفيل بالحصول على منح دولية تغطي هذه النفقات الضرورية للاجئين السوريين، لأن المجتمع الدولي حريص على إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان وعدم ذهابهم إلى الدول الأوروبية، وبالتالي ستقوم دول الاتحاد الأوروبي بسد هذه الاحتياجات عبر منح مقدمة إلى الحكومة اللبنانية أو مباشرة عبر منظمات للاجئين السوريين.

مناطق آمنة برؤية روسية

وفيما يتعلق بالمساعي الروسية والضغوطات التي تمارسها لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، بيّن “الحلبي” أن روسيا تعهدت منذ تدخلها العسكري في سوريا أمام دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، ولكن حتى اليوم لم تفِ روسيا بهذا الوعد لأن تعهدها كان يتضمن إنشاء منطقة آمنة في سوريا تكون محمية للاجئين السوريين في الخارج وللنازحين السوريين في الداخل.

وأضاف، أن هذا الأمر لم يتحقق حتى الساعة، حيث أنه من حيث الأمر الواقع بعيد المنال، كما أن هناك تعقيدات ميدانية في الملف السوري تحول دون إعادة اللاجئين السوريين وفقاً للخطة الروسية المستجدة، لأن روسيا تريد إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق النظام، وكأنها خرجت عن تعهدها الأول بإنشاء مناطق آمنة في سوريا، فهي تريد إعادة جميع المناطق التي سيطرت عليها المعارضة إلى كنف النظام، وبالتالي هذه المناطق لا يمكن أن نسميها مناطق آمنة، لأن جلّ اللاجئين السورين ينحدرون من مناطق معارضة في سوريا وهم معارضون لنظام الأسد، وبالتالي فإن مناطق النظام ليست آمنة بالنسبة إليهم، وهكذا فإن الخطة الروسية ليست واضحة، فضلاً عن أنها تتعارض مع قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي للاجئين.

ملف اللاجئين السوريين ملف سياسي

وتعليقًا منه على انعكاسات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة على ملف اللاجئين السوريين في لبنان، يرى الدكتور المحامي “طارق شندب”، أن موضوع النازحين السوريين في لبنان هو موضوع سياسي أكثر مما هو اجتماعي، وقال: “سمعنا في الأيام الماضية بعد تشكيل الحكومة كلاماً سياسياً عن ضرورة عودة اللاجئين أو إجبارهم على العودة تحت ضغط روسي معين، وهذا الكلام غير مقبول في الساحة السياسية اللبنانية وخصوصاً عند (السّنة) الذين يعارضون نظام بشار الأسد”.

وأعرب” شندب”، في حديثه ، عن اعتقاده أن هذا الأمر سيلاقي اعتراضاً كبيراً في الحكومة وعلى مستوى الشارع السياسي، وتابع بالقول: “لا أعتقد أن أحداً من الممكن أن يتحمل مسؤولية هذا القرار، وبالتالي نحن نعرف أن هناك ضغوطات تمارس على اللاجئين السوريين بطرق متعددة قضائية وأمنية وسياسية وأممية، ولكن لا يمكن في ظل الانقسام السياسي في لبنان، حتى لو كنا ضمن تشكيلة حكومة واحدة، أن نرى إجباراً للاجئين على العودة.

وأضاف “شندب” أن “عودة اللاجئين بهذه الطريقة مخالفة للقانون الدولي والاتفاقات الدولية، ولا أعتقد أن الحكومة اللبنانية ستسير في الموضوع إلى النهاية، وأعتقد أن العملية مجرد جس نبض لا أكثر، وأن تيار المستقبل والسّنة ووليد جنبلاط لن يقبلوا بذلك، وكثير من اللبنانيين لن يقبلوا أن يفرَض على لبنان عقوبات أمريكية، خاصة بعد قانون ’قيصر’ الأخير الذي يفرض عقوبات على كل من يتعامل مع نظام الأسد، ولا سيما المسؤولين اللبنانيين الذين يروجون لنظام بشار الأسد الإرهابي”.

وأكد “شندب” في سياق حديثه، أن هؤلاء اللاجئين السوريين جاؤوا إلى لبنان بفعل إرهاب ميليشيا حزب الله الإرهابي، مبيناً أنها ميلشيا لبنانية ذهبت إليهم وقتلتهم وعذبتهم وأخرجتهم من بلادهم على مرأى ومسمع من الحكومة اللبنانية، وبالتالي فإن الحكومة اللبنانية مسؤولة أخلاقياً واجتماعياً عن هؤلاء اللاجئين، وعليها أن تعوضهم لا أن تهينهم.

يبدو أن القوى الدولية والمحلية المتحكمة بملف إدلب لم يعد أمامها الكثير من الوقت للمناورة مع تكثيف روسيا ضغوطها باتجاه إيجاد حل يكفل إنهاء سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) على المنطقة التي أُعلنت فيها هدنة باتفاق روسي- تركي في أيلول الماضي، وتضم نحو أربعة ملايين مدني من سكانها والمُهجرين إليها من مناطق “المصالحات”.

ففي الأيام الماضية كثفت روسيا من تهديداتها للمنطقة بحجة سيطرة “الإرهابيين” عليها (هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية)، وصعّد نظام الأسد قصفه عليها مرتكباً مجزرة في معرة النعمان منذ يومين، ما جعل تركيا تطرح حلولاً بديلة سربتها صحيفة “يني شفق” التركية الثلاثاء الفائت، تقضي بحل الهيئة ودمج جميع القوى العاملة في المنطقة بجسم عسكري موحد يكون على رأسه ضابط من الجيش الحر، وكذلك حل “حكومة الإنقاذ” التابعة لتحرير الشام وتسمية حكومة موحدة تشارك فيها جميع القوى ويرأسها شخص مقبول داخلياً وإقليمياً ودولياً.

وقال موقع “تلفزيون سوريا” إن اسم “أسعد مصطفى” وزير الدفاع السابق في الحكومة المؤقتة مطروح لتولي هذه المهمة، على أن يتولى حقيبة الدفاع أيضاً.

ونقل الموقع عن مصادر خاصة لم يسمّها أن “تحرير الشام” تميل إلى قبول العرض التركي لتجنب مصير أسوأ، ونزع الذرائع الروسية، كما أن هذا السيناريو سيرفع الحرج عن الهيئة في حال فتح الطرق الدولية (حلب -حماة، حلب – اللاذقية) وهو الأمر الذي تصر عليه روسيا وورد ضمن بنود اتفاق “سوتشي” حول هدنة إدلب.

مصادر “تلفزيون سوريا” قالت إن “تحرير الشام” فتحت حواراً مع الفصائل العاملة في المنقطة (أحرار الشام، فيلق الشام، حراس الدين)، وفي حين طلب الأحرار والفيلق مهلة لتحديد مواقفهم، قال مصادر لصحيفة “العربي الجديد” إن فصيل ” تنظيم حراس الدين” المتشدد رفض السيناريو جملة وتفصيلاً، وأصدر التنظيم محدود التأثير في المنطقة بياناً رفض فيه تشكيل مجلس عسكري بقيادة ضابط منشق عن جيش النظام “يملك قرار السلم والحرب”، مشيراً إلى رفضه فتح الطرقات الدولية، ومستغرباً عدم ممانعة “هيئة تحرير الشام” ذلك، ومطالباً الأخيرة بـ”سلاحنا وحقوقنا”. كذلك دعا إلى النفير العام لـ”كسر شوكة النظام وحلفائه”، مشيراً إلى أن “الوقت وقت إرهاق النظام اقتصادياً، لا فتح طرق إمداده”، وفق البيان.

إلى ذلك؛ اتهمت تركيا دولاً لم تسمّها في التحالف الدولي لمحاربة “تنظيم الدولة” بدعم “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) في إدلب من أجل إحباط الاتفاق الروسي – التركي للهدنة، وتعطيل تشكيل اللجنة الدستورية.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن “بعض الشركاء في التحالف يدعمون تحرير الشام من أجل إلحاق الضرر باتفاقية إدلب أولاً، وثانياً لأن هذه الدول تبذل جهوداً كبيرة لمنع تشكيل اللجنة الدستورية في سورية”، وزاد في تصريح لصحيفة “حرييت” التركية، أن “هذه الدول تحرض تحرير الشام على انتهاك اتفاق إدلب بتقديم الدعم المالي لها”، مشيراً إلى أن لدى “الروس اقتراحاً لعملية مشتركة لإخراج الإرهابيين من هناك”. وكشف أن القمة الرابعة لقادة البلدان الضامنة لاتفاق آستانة تركيا وروسيا وإيران ستعقد في 14 شباط/فبراير الجاري في سوتشي جنوب روسيا.

يذكر أن نظام الأسد يواصل شن حرب نفسية وإعلامية ضد محافظة إدلب. وتحدثت صحيفة “الوطن” الموالية، أمس الخميس، عن إرسال المزيد من التعزيزات لريف حماة الشمالي. وأكد قيادي في الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي لصحيفة “العربي الجديد” أن قوات النظام “تحشد بالفعل بشكل كبير، خصوصاً في منطقة الغاب، وريف حماة الشمالي”، مضيفاً “في الأسبوعين الماضيين تم تكثيف القصف المدفعي والصاروخي على العديد من المناطق الآمنة، وخصوصاً أرياف حماة وإدلب”. وتوقّع القيادي قيام قوات النظام بعمل عسكري محدود على أحد المحاور خلال فترة قريبة “إلا إذا أسهمت المواقف الدولية في منع هذا الأمر”.

وينحصر تقرير مصير إدلب بيد ثلاثي أستانة (تركيا وروسيا وإيران) الذين سيعقدون جولة جديدة من المحادثات في 14 من شباط الجاري، وسيكون ملف إدلب على الطاولة، ويبدو أن تركيا تسابق الزمن لإحداث تغيير في الوضع الحالي قبل الاجتماع لتتمكن من إبعاد الخطر الروسي المحدق.

مرحلة سياسية جديدة تلقي بظلالها على “ملف اللاجئين السوريين” في لبنان، خاصة بعد أن أُعلِنَ عن تشكيل حكومة جديدة، الخميس الماضي، برئاسة “سعد الحريري”، ضمت ثلاثين وزيراً احتفظ عدد منهم بحقائبهم الوزارية، في حين دخل وزراء جدد إليها.

وتضم الحكومة الجديدة أحد عشر وزيراً يمثلون تيار الرئيس “عون” السياسي، ما يمنحه عملياً القدرة على تعطيل إصدار أي قرار لا يحظى بموافقة وزرائه، في حين يمثل ثلاثة وزراء حليفه “حزب الله”.

واحتفظ “جبران باسيل” المعروف بمواقفه غير المرحبة بوجود اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية، بحقيبة وزارة الخارجية، فيما أوكلت حقيبة وزارة الدولة لشؤون النازحين إلى “صالح الغريب” المحسوب على ميليشيا “حزب الله”.

وكان بقاء الوزير “باسيل” واستلام الوزير “الغريب” ملف شؤون النازحين بدلاً من الوزير “معين المرعبي”، المعروف بمواقفه الرافضة لعودة اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، من أبرز الأمور التي تقلق اللاجئين السوريين حيث أنهم مقبلون على مرحلة مستمرة من الضغوط، وخاصة الصحية منها في ظل سيطرة “حزب الله” على قطاع الصحة، بحسب مراقبين.

وفي ظل حالة الترقب الحذر التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان عقب تشكيل تلك الحكومة، تطفو على السطح مجموعة من الأسئلة فيما يخص انعكاس تلك التطورات على ملف اللاجئين السوريين، فهل نحن أمام حالة من تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين للتيار العوني، وإلى أي حد ستمارس الضغوطات على هؤلاء اللاجئين لإجبارهم على العودة إلى سوريا؟

ملف اللاجئين السوريين ملف “أمني”

وفي ردّ منها على تلك التساؤلات، قالت “أمل الشيخو”، رئيسة دائرة شؤون اللاجئين في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، في تصريحات خاصة لحرية برس: “إن ملف اللاجئين السوريين في لبنان يصنف، من وجهة نظر حكومية، ملفاً أمنياً بالدرجة الأولى، لا إنسانياً، ويتبع في ثناياه لوزارة الداخلية، حيث تعتبر البلديات تابعة لوزارة الداخلية، وبالتالي تتبع الإقامات وتسوية الأوضاع القانونية للاجئين للوزارة نفسها.

وأضافت، أنه من جهة أخرى فإن الجانب الإنساني الخاص بالخدمات الإغاثية والمناط بوزارة شؤون النازحين، تأثر أساساً بمقدار الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين السوريين في لبنان، وحيث أن الوزارة المعنية ماهي إلا وزارة منظمة لتلك المساعدات والمنح بالدرجة الأولى، فهذا يقلص من دورها كثيراً في التأثير على حياة اللاجئين السوريين.وتابعت بالقول: “وحيث أن وزيرة الداخلية ’ريا الحسن’ قريبة من تيار المستقبل المتعاطف مع قضية اللاجئين السوريين، ستكون على رأس الوزارة المعنية بهذا الجانب الأمني، فإنه من المستبعد إحداث تغيير كبير ومؤثر على حياة اللاجئين السوريين في لبنان”.

وحول الشكوك المتداولة فيما يخص تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين السوريين لصالح التيار العوني، أوضحت “الشيخو” أن ذلك ليس مرجحاً، حيث أن وزارة الداخلية المعنية أساساً بالجانب الأكثر تأثيراً في حياة اللاجئين السوريين قد سُلِّمت إلى شخص مقرب من رئيس الحكومة الجديد سعد الحريري، وأن ملف اللاجئين في لبنان ملف أمني إنساني مشترك، أما قضية عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا فهي مطلب سياسي في منتهاه يخص النظام السوري بالدرجة الأولى ومن ثم حلفاءه، وكون العودة مرتبطة بترتيبات أمنية أولاً، فستكون ذات صلة مباشرة بوزارة الداخلية المحسوبة على تيار المستقبل، لافتةً إلى أن معظم أسهم هذا الملف، ما زالت في حوزة تيار المستقبل.

استثناء اللاجئين السوريين من الموازنة لن يشكل فارقاً كبيراً

ومن الأمور التي تزيد من حالة القلق بين اللاجئين السوريين، استثناؤهم من موازنة عام 2019، بحسب ما أعلنه رئيس الحكومة “سعد الحريري”، الذي نقلت عنه “الوكالة الوطنية للإعلام” قوله: “إن الحكومة اللبنانية المشكّلة حديثاً ستكون مرغمة على اتخاذ قرارات صعبة من أجل تخفيض الموازنة، وإنه لا تمويل يتعلق بملف النزوح السوري”، داعياً الجهات الخارجية المانحة إلى الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين في لبنان.

وفي هذا الصدد قالت “الشيخو”: إن حكومة لبنان تعد حكومة تقشف، وتسعى إلى سد احتياجات مواطنيها قبل احتياجات اللاجئين إلى أرضها، ورغم وجود ميزانية سابقة تخص اللاجئين كانت قد أدرجت في الموازنات السابقة، فإن حجم تلك المخصصات ضئيل للغاية أمام المساعدات الممنوحة من الأمم المتحدة والدول المانحة الأخرى، سواء عبر مؤتمر بروكسل أو الحملات الدولية المنفردة مثل حملة قطر الأخيرة، لذا فإننا لا نعتقد أن فارقاً كبيراً سيحدث أو سيكون له أثر ملموس على حياة اللاجئين السوريين في اللبنان.

وتابعت، أنه من الممكن أن نقرأ في هذا الاستثناء من الموازنة رسالة سياسية تخص الشأن اللبناني الداخلي، حيث تسعى الأطراف إلى امتصاص حالات الغضب الشعبي الناتج عن الضائقة الاقتصادية الهائلة في لبنان، حيث يقوم عديد من الأطراف بتوظيف ورقة اللاجئين في معاركهم الانتخابية.

لا فائدة من محاولات الروس إعادة اللاجئين السوريين

وفي سياق تلك التطورات، تواصل روسيا مساعيها للضغط من أجل إعادة اللاجئين السوريين المتواجدين في دول اللجوء إلى سوريا، وخاصة في لبنان، مستغلة تماهي موقف وزير الخارجية “باسيل” المؤيد لتلك المساعي.

وحول ذلك قالت “الشيخو”: إنه مما لا شك فيه أن روسيا بوصفها طرفاً دولياً داعماً لنظام الأسد، مدفوعة برؤية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ستنحو دائماً إلى توظيف قضية اللاجئين في إطار حل سياسي يخدم رؤيتها، وخصوصاً أن عودة اللاجئين ترتبط ارتباطاً عضوياً بملف إعادة الإعمار الذي سيكون الركيزة الأساسية الداعمة لنظام الأسد، فيما لو تجاوبت الدول الغنية وتداعت إلى إعادة الإعمار في سوريا من دون حل سياسي متوافق مع مقررات جنيف.

وترى “الشيخو” أن الموقف الروسي سبق له أن تعرض إلى حالة من الرفض الدولي، حيث كانت بيانات الدول المستقبلة للاجئين السوريين ترفض الرؤية الروسية بشأن عودة اللاجئين قبل الحل السياسي، على حد تعبيرها.

واستبعدت “الشيخو” أن تكون الفرصة مواتية في المدى المنظور للروس لإعادة المحاولة ثانية، وخصوصاً بعد قوائم العقوبات الأوربية والأمريكية الجديدة بحق عديد من رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالنظام، بما معناه أن لا حظوظ لإعادة الإعمار في سوريا في ظل الوضع القائم، وكما روج لها إعلام النظام، وبالتالي لا فائدة من الحديث عن عودة اللاجئين.

قرار عودة اللاجئين مرتبط بمجلس الوزراء 

من جانبه، يرى الناشط الحقوقي ومدير مؤسسة “لايف”، المحامي “نبيل الحلبي”، أن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون له تأثير قوي على اللاجئين السوريين من ناحية تزايد الضغوطات عليهم، إلا أنه قلل في الوقت نفسه من انعكاس استلام وزير محسوب على ميليشيا حزب الله لملف شؤون النازحين، وقال: “ليس هناك تأثير على تعيين وزير من قوى 8 آذار القريبة من النظام السوري أو حزب الله بدلاً من الوزير ’معين مرعبي’، لأن وزارة الدولة لشؤون النازحين ليس لديها صلاحيات بشأن إعادة اللاجئين إلى سوريا، وهذا القرار الكبير يتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً ويرسم سياسته رئيس الحكومة وفقاً للدستور، وبالتالي ليس هناك أي تغيير جوهري في هذا الملف بعيداً عن الضغوط لا أكثر ولا أقل على مستوى التصريحات السياسية، فعلى سبيل المثال كنا نتابع تصريحات وزير الخارجية “باسيل” الداعية إلى إعادة اللاجئين السوريين، إلا أنه كان يقابل بتصريحات مضادة مخالف للرأي من وزير الدولة لشؤون النازحين ’معين المرعبي’”.


وفي سياق حديثه، استبعد “الحلبي” ما يُتَداول بخصوص تخلي تيار المستقبل عن ملف النازحين للتيار العوني وقال: “ليس هناك وزارة مخصصة لتيار أو لحزب حتى يتخلى عنها، بل هناك توزيع حقائب بين القوى السياسية اللبنانية، وكانت تلك الحقيبة في الحكومة السابقة من حصة تيار المستقبل واليوم هي من حصة التيار العوني وبالتالي ليس هناك تنازل”.وتابع بالقول لحرية برس: “من الممكن أن نلمس الآن تصريحين متقابلين، ولكن القرار مناط بمجلس الوزراء مجتمعاً، ويرسم رئيس الحكومة هذا القرار وسياسة الدولة في هذا الشأن، وموقف رئيس الحكومة واضح، وهو مع التمسك بحق عودة اللاجئين إلى سوريا حين تكون عودة آمنة وكريمة تحت مظلة الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وبالتالي ليس هناك أي تغيير في هذا الملف”.

مخاوف من صعوبات ستواجه اللاجئين السوريين على الصعيد الطبي

وعن رأيه في استثناء اللاجئين السوريين من موازنة 2019 قال “الحلبي”: “إن استثناء اللاجئين السوريين من موازنة لبنان 2019 أمر متوقع كون الوضع المادي في لبنان كارثي، وبالتالي لا تستطيع ميزانية الدولة بمداخيلها المحلية تغطية احتياجات اللاجئين السوريين، وطبعاً سيكون هناك تأثير كبير لأن التغطية تشمل وزارة الصحة، وهذه الوزارة من نصيب حزب الله، وبالتالي سيحرم اللاجئ السوري من التغطية الصحية”.

ولكن “الحلبي” أعرب عن اعتقاده أن هذا الأمر كفيل بالحصول على منح دولية تغطي هذه النفقات الضرورية للاجئين السوريين، لأن المجتمع الدولي حريص على إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان وعدم ذهابهم إلى الدول الأوروبية، وبالتالي ستقوم دول الاتحاد الأوروبي بسد هذه الاحتياجات عبر منح مقدمة إلى الحكومة اللبنانية أو مباشرة عبر منظمات للاجئين السوريين.

مناطق آمنة برؤية روسية

وفيما يتعلق بالمساعي الروسية والضغوطات التي تمارسها لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، بيّن “الحلبي” أن روسيا تعهدت منذ تدخلها العسكري في سوريا أمام دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، ولكن حتى اليوم لم تفِ روسيا بهذا الوعد لأن تعهدها كان يتضمن إنشاء منطقة آمنة في سوريا تكون محمية للاجئين السوريين في الخارج وللنازحين السوريين في الداخل.

وأضاف، أن هذا الأمر لم يتحقق حتى الساعة، حيث أنه من حيث الأمر الواقع بعيد المنال، كما أن هناك تعقيدات ميدانية في الملف السوري تحول دون إعادة اللاجئين السوريين وفقاً للخطة الروسية المستجدة، لأن روسيا تريد إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق النظام، وكأنها خرجت عن تعهدها الأول بإنشاء مناطق آمنة في سوريا، فهي تريد إعادة جميع المناطق التي سيطرت عليها المعارضة إلى كنف النظام، وبالتالي هذه المناطق لا يمكن أن نسميها مناطق آمنة، لأن جلّ اللاجئين السورين ينحدرون من مناطق معارضة في سوريا وهم معارضون لنظام الأسد، وبالتالي فإن مناطق النظام ليست آمنة بالنسبة إليهم، وهكذا فإن الخطة الروسية ليست واضحة، فضلاً عن أنها تتعارض مع قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي للاجئين.

ملف اللاجئين السوريين ملف سياسي

وتعليقًا منه على انعكاسات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة على ملف اللاجئين السوريين في لبنان، يرى الدكتور المحامي “طارق شندب”، أن موضوع النازحين السوريين في لبنان هو موضوع سياسي أكثر مما هو اجتماعي، وقال: “سمعنا في الأيام الماضية بعد تشكيل الحكومة كلاماً سياسياً عن ضرورة عودة اللاجئين أو إجبارهم على العودة تحت ضغط روسي معين، وهذا الكلام غير مقبول في الساحة السياسية اللبنانية وخصوصاً عند (السّنة) الذين يعارضون نظام بشار الأسد”.


وأضاف “شندب” أن “عودة اللاجئين بهذه الطريقة مخالفة للقانون الدولي والاتفاقات الدولية، ولا أعتقد أن الحكومة اللبنانية ستسير في الموضوع إلى النهاية، وأعتقد أن العملية مجرد جس نبض لا أكثر، وأن تيار المستقبل والسّنة ووليد جنبلاط لن يقبلوا بذلك، وكثير من اللبنانيين لن يقبلوا أن يفرَض على لبنان عقوبات أمريكية، خاصة بعد قانون ’قيصر’ الأخير الذي يفرض عقوبات على كل من يتعامل مع نظام الأسد، ولا سيما المسؤولين اللبنانيين الذين يروجون لنظام بشار الأسد الإرهابي”.وأعرب” شندب”، في حديثه لحرية برس، عن اعتقاده أن هذا الأمر سيلاقي اعتراضاً كبيراً في الحكومة وعلى مستوى الشارع السياسي، وتابع بالقول: “لا أعتقد أن أحداً من الممكن أن يتحمل مسؤولية هذا القرار، وبالتالي نحن نعرف أن هناك ضغوطات تمارس على اللاجئين السوريين بطرق متعددة قضائية وأمنية وسياسية وأممية، ولكن لا يمكن في ظل الانقسام السياسي في لبنان، حتى لو كنا ضمن تشكيلة حكومة واحدة، أن نرى إجباراً للاجئين على العودة.

وأكد “شندب” في سياق حديثه، أن هؤلاء اللاجئين السوريين جاؤوا إلى لبنان بفعل إرهاب ميليشيا حزب الله الإرهابي، مبيناً أنها ميلشيا لبنانية ذهبت إليهم وقتلتهم وعذبتهم وأخرجتهم من بلادهم على مرأى ومسمع من الحكومة اللبنانية، وبالتالي فإن الحكومة اللبنانية مسؤولة أخلاقياً واجتماعياً عن هؤلاء اللاجئين، وعليها أن تعوضهم لا أن تهينهم.

فيما يبدو للعلن، ترفض تركيا بإصرار أدنى اعتراف بشرعية نظام الأسد، وتبقى على خلاف دائم مع حليفيها في مسار آستانة، إيران وروسيا، حول هذه النقطة، ومع تراجع موقف الولايات المتحدة من نظام الأسد، وما تبعه من مواقف أوروبية وعربية متراخية، يمكن القول إن أي اعتراف من تركيا، ولو كان على أدنى المستويات، سيمهد الطريق لعودة نظام الأسد بقوة في حاضر البلاد ومستقبلها.

فهل لوّح بوتين باتفاقية “أضنة” لإجبار تركيا على الدخول في مفاوضات -ولو غير مباشرة- مع نظام الأسد، بحيث تحقق تركيا المنطقة الآمنة التي تطمح إليها وتصر عليها في مناطق شرق الفرات، مقابل أن يحصد نظام الأسد “شرعية” واعترافاً هو الأصعب بالمطلق من قبل تركيا؟.

بوتين وأردوغان أعادا في لقائهما أول من أمس إحياء اتفاقية “أضنة” الموقعة بين نظام حافظ الأسد وتركيا عام 1998، مطالبين بتطويرها بغية الاستجابة للمنطقة الآمنة المزمعة على طول الحدود السورية التركية، وفيما يقول أمنيون وسياسيون إن الاتفاقية سرية بالكامل، فقد تحدثت وسائل إعلام عربية وعالمية عن بعض البنود المعلنة منها، وهي: “تعاون سورية التام مع تركيا في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء جميع أشكال الدعم من دمشق لـ (حزب العمال الكردستاني)، وإغلاق معسكراته في سورية ولبنان، وطرد زعيم التنظيم عبدالله أوجلان، والعمل على منع تسلل مقاتلي الحزب إلى تركيا، وحفاظ تركيا على حقها في الدفاع عن النفس، والمطالبة بتعويضات عادلة عن خسائرها في الأرواح والممتلكات إذا لم يوقف النظام السوري دعمه لحزب العمال. ويمنح الاتفاق تركيا حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق 5 كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر. وأنهى الاتفاق أيضاً أي مطالب حدودية للطرفين في أراضي الطرف الآخر (التنازل عن المطالبة بلواء اسكندرون)”.

محللون أتراك رأوا أن استخدام روسيا اتفاق أضنة في هذا الوقت يبدو ذريعة لإجهاض فكرة المنطقة الآمنة، مع تلميح مصادر تركية إلى أن موسكو تحاول استخدام اتفاق أضنة كمبرر للالتفاف على فكرة “المنطقة الآمنة”، خدمة لمصالح النظام السوري.

العميد والمحلل العسكري أحمد رحال، رأى أن هدف بوتين من التذكير والتأكيد على اتفاق أضنة، هو “إعادة تدوير” للنظام وتذكيرٌ لأنقرة بأنه لا يزال موجوداً.

ولفت رحال إلى أن موسكو سعت دائماً لإعادة الشرعية لنظام بشار الأسد، التي فقدها بعد قتله للمدنيين واستخدم ضدهم كافة أنواع الأسلحة، حتى الكيميائية منها.

أما الكاتب الصحفي عهد فاضل، فقال معلقاً على الجدل الروسي التركي: “تريد روسيا أن تجعل من التدخل التركي في سوريا، ممراً لترتيب أوراق الأسد مع أنقرة. والأسد لا يمانع لطالما التواصل التركي معه سيعني اعترافاً ولو جزئياً بوجوده. كأن روسيا تقول: إذا لم تستجب الجامعة العربية وتعيد الأسد، فسأعيده إلى تركيا. ساعتها، ستتغير معادلات المنطقة جذرياً”.

وأردف موضحاً في منشور على صفحته في تويتر: “هل ستكتفي تركيا بالدخول 5 كم في سوريا حسب ما تنص (أضنة)؟ إذا كانت الـ 5 كم كافية، فإذن لا تفاوض مع بشار الأسد، إذا لم تكن كافية، إذن، هناك تفاوض، حكماً”.  

محللون عرب وأتراك ذهبوا مذهب فاضل، مؤكدين أن هدف بوتين من استرجاع اتفاقية أضنة، هو الضغط على تركيا إما لتحجيم المنطقة الآمنة بشريط حدودي ضيق بعمق (5 كم)، أو التفاوض مع نظام الأسد وبالتالي الاعتراف به إن أرادت تركيا منطقة آمنة بعمق 30 كم.

لكن الرئيس التركي كان واضحاً عندما طلب إعادة النقاش حول اتفاقية أضنة، ما يعني الاستناد إليها لتوسيع رقعة المنطقة الآمنة وفق مقتضيات المرحلة، ويبقى السؤال: مع من سيكون هذا النقاش؟.. مع روسيا وإيران المسيطرتين فعلياً على قرار نظام الأسد وحليفتي أنقرة في مسار آستانة، أم مع نظام الأسد عبر وسيط؟.