يحاول النظام السوري بدعم روسيا الاستفادة من قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بسحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا، بعد الاتفاق مع تركيا على إقامة منطقة آمنة، والاستحواذ على آبار النفط في المنطقة.

وعمل النظام السوري، خلال الأيام الماضية، على التفاوض مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من أجل دخول قواته إلى المناطق الحدودية مع تركيا لمواجهة الجيش التركي، الذي أطلق معركة “نبع السلام” بهدف طرد “قسد” من المنطقة.

ويريد النظام الخروج من وسط هذه المعمعة ببسط سيطرته على آبار النفط في ريفي دير الزور والرقة الخاضعة لسيطرة “قسد” المدعومة من التحالف الدولي، لكن الرئيس الأمريكي ألمح إلى أن النفط في سوريا من حصة أمريكا.


وتحدث ترامب عبر حسابه في “تويتر”، أمس الأحد، عن صمود وقف إطلاق النار بين تركيا وقوات “قسد” في شرق الفرات على الرغم من وجود بعض المناوشات، لكنه أكد بأن أمريكا أمّنت على النفط في سوريا.

وتزامنًا مع ذلك نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بأن ترامب يفكر بإبقاء 200 جندي في منطقة شرقي سوريا، بهدف عدم وقوع النفط في أيدي النظام السوري وروسيا.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين، لم تسمهم، أن وزارة الدفاع قدمت خطة إلى ترامب تفضي إلى إبقاء الجنود الأمريكيين في المنطقة، من أجل محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وعدم ظهوره مجددًا، ومنع سيطرة النظام على آبار النفط.

وكانت منطقة شرق الفرات شهدت تطورات متسارعة خلال الأسبوعين الماضيين، عقب بدء تركيا عملية “نبع السلام” التي لاقت ردود فعل غاضبة من المجتمع الدولي الذي طالب بإيقاف العملية.

وبعد مفاوضات تركية- أمريكية توصل الجانبان، الخميس الماضي، إلى وقف إطلاق النار لمدة 120 ساعة، وانسحاب قوات “قسد” من المنطقة ودخول القوات التركية والجيش الوطني السوري بعمق 32 كيلومترًا.

في حين لا يزال مصير المناطق المتبقية في شرق الفرات (الرقة وريف دير الزور الشرقي) الخاضعة لسيطرة “قسد” مجهولًا، وسط مفاوضات بين “قسد” والنظام للدخول إلى هذه المناطق.

ويهدف النظام السوري من السيطرة على آبار النفط في المنطقة إلى إنهاء أزمة المشتقات النفطية التي يعاني منها.

وعانت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، في الشتاء الماضي، من نقص المحروقات بسبب تشديد العقوبات الأمريكية على السفن التي تنقل النفط إلى سوريا، إلى جانب توقف إمدادات إيران النفطية للنظام بعد تشديد العقوبات الأمريكية ضدها أيضًا.

انسحبت آخر القواعد العسكرية الأمريكية من ريف الرقة الشمالي، اليوم الأربعاء، وبذلك يكون شمال مدينة الرقة بالكامل خالي من القواعد الأمريكية.
وقال مراسل بلدي نيوز في الرقة؛ إن القوات الأمريكية أتمت انسحابها صباح اليوم من قاعدة الجلبية غربي عين عيسى بريف الرقة الشمالي، وذلك تنفيذا للقرار الأمريكي بالانسحاب من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في محافظة الرقة.
ويعتبر انسحاب القوات الأمريكية من قواعدها في الريف الشمالي خطوة أولى لتسليم المنطقة للنظام، الذي سرعان ما استقدم تعزيزات عسكرية إلى المنطقة.
وكانت قوات التحالف الدولي تتخذ في ريف الرقة الشمالي ثلاث قواعد رئيسية منها قاعدة عين عيسى وقاعدة تل ابيض وقاعدة الجلبية، إلا أن عملية "نبع السلام" فتحت الباب لمغادرة القواعد من قاعدة تل أبيض، كونها قريبة جدا من منطقة العمليات التركية، وبعد ذلك أقدمت قوات التحالف على سحب قاعدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي.
وانسحبت اليوم آخر قاعدة أمريكية وهي قاعدة الجلبية غربي عين عيسى بريف الرقة الشمالي وبعد الانسحاب بعدة ساعات، قامت الطائرات الحربية التابعة للتحالف بقصف القاعدة بغية تخريبها لتكون غير صالحة للاستخدام فيما بعد.
وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مدعومة بقوات التحالف الدولي على مناطق واسعة شمال محافظة الرقة، وذلك بعد معارك مع تنظيم "داعش" وبعد إكمال السيطرة شرعت قوات التحالف الدولي إلى اتخاذ عدة قواعد لها في المنطقة المحررة لمتابعة معارك القضاء على تنظيم داعش آنذاك.

قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه سيجد حلًا مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن وجود النظام السوري في منطقة عمليات الجيش التركي في شرق الفرات.

وقال أردوغان، اليوم السبت، 19 من تشرين الأول، إن “قوات النظام المحمية من روسيا توجد في جزء من منطقة عملياتنا وستناول هذه المسألة مع بوتين وعلينا إيجاد حل”، وفق وكالة “الأناضول”.

وأضاف، “في حال تم التوصل لحل مع روسيا كان بها، وإلا فإننا سنواصل تنفيذ خططنا”.


وأجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 15 من تشرين الأول الحالي، اتصالًا مع الرئيس التركي للبحث في الملف السوري، ودعا بوتين أردوغان لزيارته.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، الذي تحدث لوكالة الأنباء الروسية (تاس)، الأربعاء الماضي، فإن الرئيسين (أردوغان وبوتين) سيلتقيان في 22 من تشرين الأول الحالي، في مدينة سوتشي.

وبخصوص الاتفاق الذي أبرمته تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن عملية “نبع السلام” في منطقة شرق الفرات، قال الرئيس التركي، إن بلاده تنتظر تطبيق الاتفاق.

وأضاف، “في حال عدم الوفاء بالتعهدات المقدمة لبلادنا، لن ننتظر كما في السابق، وسنواصل العملية بمجرد انتهاء المهلة التي حددناها، وسنواصل من حيث توقفنا عند انتهاء”.

وتوصلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لاتفاق إقامة “منطقة آمنة” شمال شرقي سوريا، في 7 من آب الماضي، وبعد الاتفاق بدأت تركيا بتوجيه اتهامات للولايات المتحدة بالمماطلة بخطوات إقامة المنطقة.

وبعد ذلك، أطلقت تركيا عملية عسكرية تحت اسم “نبع السلام”، في 9 من تشرين الأول الحالي، في مسعى لإبعاد خطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وعمادها “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، على طول الحدود السورية التركية، التي تصنفها تركيا بأنها فصائل “إرهابية” تهدد أمنها القومي.

وأعلن نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، في 17 من تشرين الأول، موافقة تركيا على وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام، شمال شرقي سوريا للسماح بانسحاب “قسد”، عقب محادثات أجراها مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

أعلنت كل من ألمانيا وفرنسا حظر تصدير الأسلحة إلى تركيا ردًا على العملية العسكرية التي تشنها شمال شرقي سوريا تحت اسم “نبع السلام”، وذلك على خطى عدد من الدول الأوروبية.

وقالت وزارتا الخارجية والجيوش الفرنسيتان في بيان لهما اليوم، السبت 12 تشرين الأول، إن “فرنسا قررت تعليق أي مشروع لتصدير معدات حربية إلى تركيا يمكن استخدامها في إطار الهجوم في سوريا”.

وأضاف البيان أن مفعول القرار سيكون فوريًا، ولفت إلى أن “مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي سيجتمع في لوكسمبورغ يوم 14 تشرين الأول الحالي سيكون مناسبة لتنسيق مقاربة أوروبية في هذا الصدد”.


من جهتها نقلت صحيفة “بيلد أم زونتاغ” عن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قوله إنه “نظرًا للهجوم العسكري التركي في شمال شرقي سوريا، لن تصدر الحكومة الاتحادية أي تراخيص جديدة لكل العتاد العسكري الذي يمكن أن تستخدمه تركيا في سوريا”.

في سياق متصل، قالت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيجريت كرامب كارينباور، أمس الجمعة، إن بلادها تتوقع إسهام جميع الدول الأعضاء بحلف “الناتو” في تحقيق الاستقرار بالمنطقة.

ونددت دول أوروبية عدة بالعملية العسكرية التركية شمال شرقي سوريا، معتبرة أنها تعمل على زعزعة استقرار المنطقة بشكل إضافي، وتتسبب بعودة تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد أن تم القضاء عليه بشكل كبير.

وتعد تركيا أكبر مشترٍ للأسلحة الألمانية داخل حلف “الناتو”، وبلغت قيمة صادرات أسلحتها إلى تركيا في عام 2018 نحو 242.8 مليون يورو، وهو ما يعادل ثلث القيمة الإجمالية لصادرات الأسلحة الألمانية، كما وصلت إلى 184.1 مليون يورو في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019، وفقًا لموقع “DW” الألماني.

وسبق ألمانيا إعلان كل من فنلندا وهولندا والنرويج تعليق صادراتها من الأسلحة إلى تركيا، إذ أعلنت وزارة الخارجية الهولندية، الجمعة 11 من تشرين الأول، تعليق تصدير جميع شحنات الأسلحة الجديدة إلى تركيا، كرد فعل على العملية التي شنتها في مناطق شرق الفرات، يوم الأربعاء الماضي.

وجاء في بيان للخارجية الهولندية، “قررت هولندا تعليق كل طلبات تصدير المعدات العسكرية إلى تركيا في انتظار تطور الوضع”.

ودعا نائب رئيس الحكومة الهولندية، هوغو دي يونغي، خلال مؤتمر صحفي عقده في لاهاي، الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى أن تحذو حذو بلاده.

وعبر يونغي عن مخاوف بلاده من العملية التركية قائلًا، “نحن قلقون جدًا من التداعيات الإنسانية المحتملة لهذه العملية التي تهدد بإعاقة المعركة ضد تنظيم (الدولة الإسلامية)، والاستقرار في المنطقة”.

وسبقت هولندا النرويج بإعلانها تعليق تصدير شحنات الأسلحة إلى تركيا، الخميس 10 من تشرين الأول.

وبررت وزيرة الخارجية النرويجية، إين إريكسن سوريدي، هذه الخطوة بقولها، “لأن الوضع معقد ويتغير بسرعة، لن تنظر وزارة الخارجية في سياق إجراء وقائي بأي طلبات لتصدير معدات دفاعية ومعدات ذات استخدامات مختلفة إلى تركيا حتى إشعار آخر”.

وأضافت سوريدي في هذا الصدد، “نراجع حاليًا جميع تراخيص التصدير المعمول بها”.

ويوم الأربعاء الماضي، وتزامنًا مع إطلاق تركيا عمليتها العسكرية في سوريا، أعلنت فنلندا تعليق تصدير أي شحنة سلاح جديدة إليها.

وتأتي تحركات الدول الأوروبية في إطار مقترح قدمته السويد وتسعى لطرحه خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المزمع عقده الأسبوع المقبل.

وقالت وزيرة الخارجية السويدية، آنا ليند، إن بلادها تقترح على دول الاتحاد الأوروبي النظر في اتخاذ “تدابير تقييدية” بحق تركيا، وهو ما يمكن أن يشمل “عقوبات اقتصادية أو عقوبات ضد أفراد”.

وعقب اجتماعها، أمس الجمعة، مع لجنة الشؤون الأوروبية في البرلمان السويدي، عبرت ليند عن شعورها بالسرور من دعم اللجنة بالإجماع خطوة لفرض حظر الأسلحة.

وأشارت ليند إلى أن بلادها لم تصدر تصاريح تصدير معدات قتال عسكرية إلى تركيا في عامي 2019 و2018.

بموازاة ذلك أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مواصلة بلاده العملية العسكرية التي تشنها ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) شمال شرقي سوريا، رغم ما تتعرض له من تهديدات.

وفي خطاب له بمدينة اسطنبول التركية، أمس الجمعة، قال أردوغان “مهما يقول البعض، لن نوقف أبدًا الخطوة التي بدأناها ضد (وحدات حماية الشعب) الكردية في شمال شرقي سوريا”.

وأضاف، “نتلقى الآن تهديدات من كل حدب وصوب، تقول أوقفوا هذه العملية”.

وتابع، “لن نتراجع، سنواصل هذه العملية حتى يذهب جميع (الإرهابيين) مسافة 32 كيلومترًا بعيدًا عن حدودنا”.

وكانت تركيا بدأت عملية عسكرية ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) في منطقة شرق الفرات بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة السورية المؤقتة، تحت اسم “نبع السلام”.

ولاقت العملية رفضًا من قبل المجتمع الدولي ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي إلى جانب رفض عربي من قبل أغلبية الدول العربية وفي مقدمتها السعودية والإمارات.