الاقتصاد والأعمال

بدأت نتائج الهيمنة الروسية الاقتصادية في سوريا تظهر خلال الأشهر الماضية، بعد وضع موسكو يدها على مفاصل اقتصادية مهمة وتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع حكومة النظام السوري، ستجعلها المتحكم الأول وصاحبة القرار فيها.

هذه الاتفاقيات، التي تمتد لعشرات السنين في مختلف القطاعات الحيوية الاقتصادية من نفط وغاز وفوسفات، جاءت بعد تدخل الروس كلاعب أساسي في الساحة السورية في أيلول 2015، وتحويل دعمهم العسكري والسياسي إلى عملية ابتزاز بهدف الحصول على امتيازات اقتصادية طويلة الأمد.


أولى هذه النتائج ظهرت في بسط شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية السيطرة على الشركة العامة للأسمدة في حمص بموجب عقد استثمار، وصرف ونقل موظفيها، بحسب ما أفاد مصدر من داخل الشركة لعنب بلدي، في وقت تتوجه فيه حكومة النظام إلى استيراد السماد بعد أن كانت سوريا مصدرة له.

شركة الأسمدة تحت الهيمنة الروسية
في تشرين الثاني 2018، وقعت شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية عقدًا مع “الشركة العامة للأسمدة” في حمص، التي تعد أكبر مجمع صناعي كيميائي في سوريا، وتنتج عبر معاملها الثلاثة الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية وتؤمّن حاجة القطاع الزراعي بشكل كامل. ويقضي العقد باستثمار الشركة ومعاملها الثلاثة مدة 40 عامًا قابلة للتجديد.

وبموجب العقد، يعيد الجانب الروسي صيانة المعامل الثلاثة، ويلتزم بالحفاظ على إنتاجيتها وإيصالها للطاقة التصميمية خلال عامين، بحيث تبلغ حصة الشركة السورية من الأرباح 35% مقابل 65% للشركة الروسية، بحسب بنود العقد، التي نشرتها صحيفة “تشرين” الحكومية في 31 من تشرين الأول 2018.

وقال مدير المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية للصحيفة، أسامة أبو فخر، إن الهدف من استثمار الشركة مع الجانب الروسي هو الوصول إلى الطاقات الإنتاجية التصميمية التي تقدر بنحو 1600 طن يوميًا من الأسمدة، يحق للشركة الروسية بعدها تصدير الأسمدة للخارج في حال اكتفاء حاجة السوق المحلية.

جاء ذلك بعد استثمار الشركة نفسها مناجم الفوسفات في تدمر، عبر عقد صادق عليه رئيس النظام، بشار الأسد، في نيسان 2018، ينص على تقاسم الإنتاج بين الطرفين بحيث تكون حصة المؤسسة العامة للجيولوجيا 30% من كمية الإنتاج مقابل 70% للشركة الروسية.

وتتحمل المؤسسة السورية دفع قيمة حق الدولة عن كميات الفوسفات المنتجة، وتسديد قيمة أجور الأرض والتراخيص وأجور ونفقات إشراف المؤسسة والضرائب والرسوم الأخرى البالغة بحدود 2%، لمدة 50 عامًا، بإنتاج سنوي قدره 2.2 مليون طن من بلوك يبلغ الاحتياطي الجيولوجي له 105 ملايين طن، ما يعني نفاد كامل احتياطي الفوسفات في سوريا.

السوريون سادس أكبر المجموعات الأجنبية في الجامعات الألمانية
بلغ احتياطي سوريا من الفوسفات، وفق أرقام المؤسسة العامة، 1.8 مليار طن خام، في 2009، وبلغت صادرات سوريا من الفوسفات أكثر من 3.2 مليون طن إلى أسواق العالم، ما جعل سوريا تحتل مركزًا متقدمًا بين الدول المصدّرة للفوسفات في العالم.
كما احتلت سوريا المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدّرة للفوسفات عام 2011، وتعد الهند وروسيا ولبنان ورومانيا واليونان من أبرز الدول المستوردة.

الاتفاقيتان أعطتا الروس الهيمنة الكاملة على أهم مفصل حيوي في الاقتصاد السوري، الذي حوّل سوريا من دولة منتجة للفوسفات والسماد ومصدرة لدول العالم إلى مستوردة، إذ وافق رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، في 21 من تموز الماضي، على استيراد 75 ألف طن من السماد الآزوتي (يوريا)، و25 ألف طن من السماد الفوسفاتي (السوبر فوسفات الثلاثي)، بهدف تأمين الأسمدة اللازمة للمزارعين في الموعد المناسب، لضمان استمرار تنفيذ الخطط الزراعية للموسم الشتوي المقبل.

وأثار ذلك إشارات استفهام حول استيراد السماد على الرغم من تشغيل “الشركة العامة للأسمدة” في حمص تدريجيًا منذ منتصف عام 2017 عبر تفعيل المعامل الثلاثة التابعة لها (معمل الأمونيا يوريا- معمل الكالنترو- معمل السماد الفوسفاتي)، وذلك بعد توقف دام أكثر من عامين، وقدرة هذه المعامل على إنتاج الكمية المطلوبة.

وبحسب ما كشف مدير عام الشركة العامة للأسمدة، جمال الدين العبد، لصحيفة “الوطن” المحلية، في 25 من تشرين الثاني 2018، فإن كمية الإنتاج الفعلية لمختلف منتجات الشركة بلغت حوالي 99 ألف طن، ويتضمن الإنتاج مختلف أنواع الأسمدة بما فيها سماد اليوريا والسماد الفوسفاتي.

ولم تقتصر الهيمنة الروسية على الإنتاج، بل تعدت إلى التحكم بموظفي شركة الأسمدة، على الرغم من تصريحات متكررة للمسؤولين السوريين بعدم المساس بهم، إذ أكد مصدر مطلع يعمل داخل الشركة لعنب بلدي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن دورية روسية دخلت إلى الشركة قبل أسابيع وطلبت من مدير الشركة المغادرة بعد صدور قرار بنقله.

وأوضح المصدر أنه بعد توقيع العقد مع الشركة الروسية، درست إدارتها أوضاع الموظفين والعمال الحاليين وقدرتهم على العمل، واحتفظت بقرابة 900 عامل، في حين نُقل حوالي 1200 عامل من شركة الأسمدة إلى جهات مختلفة منها معمل السكر وشركة الأجبان والألبان في حمص.

الدور على الغاز والقمح
وعملت روسيا على توقيع عقود مع النظام في قطاعات حيوية ومفصلية تجعلها تتحكم بأي سلطة مستقبلية في سوريا، وأهم هذه القطاعات القمح، إذ عملت موسكو، خلال السنوات الماضية، على السيطرة على مادة القمح الاستراتيجية في سوريا من خلال بناء المطاحن وتحكمها بها، أو من خلال توريد مئات آلاف الأطنان من القمح إلى سوريا بعد صفقات مع الحكومة، التي تضطر إلى استيراد المادة من موسكو، بعد تراجع الإنتاج في سوريا.

وأعلنت شركة “سوفوكريم” الروسية في شباط 2017 عن بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص السورية، بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني السيطرة على مورد مالي مهم للدولة السورية ويجعلها بحاجة للروس في تأمين المادة مستقبلًا.

أما القطاع الحيوي الآخر الذي استحوذت عليه روسيا وأصبحت صاحبة القرار فيه هو قطاع الطاقة من نفط وغاز، عبر توقيع اتفاق “عقد عمريت” في 2013، وهو اتفاق ضخم مع شركة روسية، ويشمل عمليات تنقيب في مساحة 2190 كيلو مترًا مربعًا ويمتد على مدى 25 عامًا، بكلفة تبلغ 100 مليون دولار، بتمويل من روسيا، وفي حال اكتُشف النفط أو الغاز بكميات تجارية، ستسترد موسكو النفقات من الإنتاج، بحسب ما قاله المدير العام للمؤسسة العامة للنفط، علي عباس، لـ “فرانس برس” في 2013.

وكانت وزارة الطاقة الروسية أعلنت في تموز 218 أن الشركات الروسية بدأت تستكشف، بالتعاون مع الشركاء السوريين، إمكانيات استعادة حقول النفط والغاز ومصافي النفط وعناصر البنية التحتية، إضافة إلى “التنقيب الجيولوجي على الأرض وعلى الجرف”.

صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري على تأسيس شركة لزراعة الخضار الصينية.

وبحسب ما نقل موقع “الاقتصادي” عن النظام الداخلي للشركة، الثلاثاء 6 من آب، فإن الشركة التي تحمل اسم “طريق الحرير للزراعة” وهي عبارة عن شراكة بين رجل الأعمال السوري عبد الباسط مللوك وبين مستثمرَين صينيَّين، برأسمال تأسيسي يبلغ خمسة ملايين ليرة سورية.

ويملك مللوك 51% من رأسمال الشركة في حين يملك المستثمر الصيني لين فنغ تشين 25% والصيني لي شين وي 24%.


وسمحت وزارة التجارة الداخلية للشركة باستيراد وتصدير جميع المواد المسموح بها بموجب القوانين السورية، كما سمحت لها بدخول المناقصات وزراعة الأعشاب والخضار الصينية، وتجارة المواد الغذائية والحبوب والمحاصيل الزراعية، وكذلك استيراد الآلات الزراعية، بحسب “الاقتصادي”.

وكانت وزارة التجارة الداخلية في حكومة النظام السوري صادقت، في حزيران الماضي، على تأسيس شركة للخدمات السياحية في سوريا، لرجل أعمال لبناني ومستثمرين صينيين اثنين.

وتعمل الشركة في إدارة الفنادق والمنتجعات والمطاعم السياحية والترفيهية والخدمية، واستيراد وتصدير المواد المسموح بها والدخول في المناقصات.

وحافظت الصين على علاقاتها مع النظام السوري سياسيًا واقتصاديًا، إذ عرقلت عدة قرارات لإدانة الأسد في مجلس الأمن الدولي عبر استخدامها حق النقض (فيتو).

كما تبحث الصين عن فرص لشركاتها من أجل المشاركة في إعادة إعمار سوريا، حسبما أكد مبعوثها الخاص إلى سوريا، شي شياو يان، عام 2016، قائلًا إن “الصين واثقة من أنها ستشكل جزءًا من عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب في سوريا”.

وعملت حكومة النظام خلال العامين الأخيرين على تأسيس شركات بلغ عددها، منذ بداية العام حتى نهاية تموز الماضي 297 شركة متعددة الاختصاصات، بحسب موقع “الاقتصادي”.

وفي حديث سابق للمحلل الاقتصادي، يونس الكريم، اعتبر أن هذه الشركات “وهمية”، وستعمل على بيع تراخيصها لشركات أجنبية، إضافة إلى توقيعها شراكة مع شركات الدول المجاورة، وخاصة الأردن ولبنان، اللذين يعتبران بوابات للدخول في عملية “غسيل العقوبات الاقتصادية”.

صنفت مجلة “فوربس” الأمريكية أربعة سوريين بين الأغنى عالميًا من بين 2153 مليارديرًا حول العالم تصل قيمة ثروتهم المشتركة إلى 31.35 مليار دولار.

وفي تقييمها الصادر في نيسان الماضي، قالت “فوربس” إن الاقتصاد عانى خلال عام 2019 من ظروف صعبة، ومن ضعف في أسواق الأسهم، أدى إلى تقليص ثروة رجال الأعمال في الشرق الأوسط بنسبة 5%، لتصل إلى 191.3 مليار دولار مقارنة مع 201.4 مليار دولار عام 2018.

سبعة فقط من بين رجال الأعمال الـ 42 في المنطقة تمكنوا من الربح خلال العام الماضي، كان بينهم ثلاثة من سوريا.


جوزيف صفرا
جوزيف صفرا أغنى مصرفي في العالم، ينحدر من عائلة يهودية تعمل في المجال المصرفي، يبلغ من العمر 80 عامًا، ولد في حلب وانتقل إلى البرازيل في صباه.

يملك ثامن أكبر البنوك في البرازيل “Banco Safra”، ويملك مصرف “J. Safra Sarasin” في سويسرا، الذي أنشئ عام 2013.

ويملك نصف شركة “Chiquita” لزراعة وتوزيع الموز، ويدير ابنه الأكبر مصرف “Safra National Bank” في نيويورك مع شركات العقارات في الولايات المتحدة.

وصلت أرباحه العام الماضي إلى 1.7 مليار دولار، ما جعل قيمة ثروته لعام 2019 تبلغ 25.2 مليار دولار.

تعتزم روسيا إنشاء مركز لإصلاح السفن الروسية في ميناء طرطوس البحري نهاية آب الحالي.

ونقلت وكالة “تاس” الروسية، الخميس 8 من آب، عن مصدر في مركز صناعة البحرية الروسية قوله إن مجمع إصلاح السفن الروسية سيبدأ العمل في مركز الإمداد المادي والتقني (PMTO) التابع للبحرية الروسية في طرطوس نهاية آب الحالي.

وأضاف المصدر، الذي لم تسمه الوكالة، أن عمل المركز سيقتصر على تقديم إصلاحات طفيفة للسفن والغواصات الخاصة بالاتصال التشغيلي الدائم للبحرية الروسية في البحر المتوسط.


وأشار إلى أنه تم شراء أحدث المعدات الآلية وإرسالها إلى طرطوس، على أن تباشر عملها نهاية الشهر الحالي.

وتعتمد السفن الروسية في طرطوس في إجراء عمليات الصيانة، حاليًا، على ورش العمل العائمة التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي، والتي تعمل في ميناء طرطوس بنظام التناوب كل ستة أشهر.

وكانت روسيا أعلنت عن توقيع عقد مع حكومة النظام السوري، في نيسان الماضي، يتضمن استئجار ميناء طرطوس لمدة 49 عامًا.

واعتبر الجانبان أن الميناء سيتم استخدامه من قبل قطاع الأعمال الروسي، وسينعكس إيجابًا على التبادل التجاري بين البلدين، كما أنه سيخدم الاقتصاد السوري.

وسبق أن وقع الجانبان السوري والروسي اتفاقية عام 2017، حول توسيع مركز الإمداد المادي والتقني للأسطول الحربي الروسي في طرطوس، وحول دخول السفن الحربية الروسية للمياه الإقليمية والمياه الداخلية والموانئ السورية.

وتكون الاتفاقية سارية لمدة 49 عامًا، وتُمدد تلقائيًا لمدة 25 عامًا، إلا في حال إبلاغ أحد الطرفين للآخر قبل عام من انتهاء مدة الاتفاقية عن قراره وقف سريانها.